وهذا الميل إلى الخطرات التأملية ومعالجة الأشياء البسيطة ظهر واضحا جليا في شعره فيما بعد، وقد أتينا على نماذج من هذه الخطرات في مقال عن «أبي شادي الشاعر» نشر بملحق (السياسة) الأدبي، ولعل هذا الميل أيضا هو آية من آيات المزاج الشعري الدقيق والذي سبقنا إليه بعض شعراء الغرب الكبار مثل شاعر الطبيعة الإنجليزي وردزورث الذي كان يرى أن أحقر الأشياء تصلح للشعر، ومثل الشاعر الفرنسي بودلير الذي رأى «كلبا ميتا» مسجى على العشب بين الأزهار النضرة، فأخذ يصفه وصفا غريبا مدهشا، والذي وصف قطه الجميل ذا العينين الزمردتين والذي تمثلت له فيه زوجته! فنظراتها كنظرات هذا الحيوان الوديع!
وما أروع وأبدع ما قاله أبو شادي في وصف هذا الميل الشعري في أبياته الساخرة الحنونة:
من كان يشعر دائما بشعوري
في الليل أو في الفجر أو في النور
ويصاحب الأجرام في حركاتها
ويجوز عيش الناس كالمسحور
وجد التجدد دائما إلفا له
في النفس أو في العالم المعمور
ورأى الحياة بما تجدد دائما
أسمى من الإفصاح والتعبير
Unknown page