211

Acmal Kamila

موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين

Genres

هذا إضراب عن مقالاتهم التي نسبوا بها إلى الله اتخاذ الولد، وأخذ في الاستدلال على بطلانها. اللام في قوله: {له} للاختصاص الكامل، وهو الملك الحقيقي. و {ما} اسم موصول يراد منه الكائنات: ما يعقل منها، وما لا يعقل، ومن جملة هذه الكائنات: من ادعوا أنه ولد الله، والمعنى: أن قولهم: {اتخذ الله ولدا} زعم باطل؛ فإن جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض مملوك لله، يوجد ما يشاء، ويتصرف فيه كيف يشاء، فلا حاجة له تعالى إلى اتخاذ الولد؛ إذ الولد إنما يسعى إليه الوالد، أو يرغب فيه؛ ليعتز # به، أو ليحيى ذكره، أو ليستعين به على القيام بأعباء الحياة، والله تعالى منزه عن أمثال هذه الأغراض التي لا تليق إلا بمن خلق ضعيفا كالإنسان. ثم إن الحكمة من التوالد: بقاء النوع محفوظا بتوارد أمثال الوالد حيث لا سبيل إلى بقائه بعينه، أما الخالق تعالى، فهو الواحد في ذاته وصفاته، الباقي على الدوام، كما قال - جل شأنه -: {كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27)} [الرحمن: 26 - 27].

{كل له قانتون}:

{قانتون}: من القنوت، وهو الطاعة والخضوع. والمعنى: كل ما في السماوات والأرض مطيعون له خاضعون، لا يستعصي شيء منهم على مشيئته وتكوينه. وهذا حكم شامل لمن يعقل ومن لا يعقل. وجمع الخبر بالواو والنون التي هي حقيقة فيما يعقل، فقال: {قانتون} تغليبا للعقلاء على غير العقلاء؛ إذ معنى القنوت - وهو الطاعة والخضوع للمشيئة والقدرة - يتحقق في العقلاء، وغيرهم، إلا أن للعقلاء طاعة وخضوعا فوق طاعة غيرهم وخضوعه، ذلك أنهم يطيعون الله، ويخضعون له عن شعور منهم واختيار.

والتغليب من الفنون المعدودة في محاسن البيان، وهو إخراج القول على وجه يختص بحسب الوضع اللغوي بطائفة من الناس أو غيرهم، ولكن الحكم يكون شاملا لهذه الطائفة وغيرها، ويكتفى في الدلالة على شمول الحكم بقرينة؛ كلفظ: (ما) في قوله: {له ما في السماوات والأرض}، وإنما يعبر بالوجه الخاص؛ كجمع قانت بالواو والنون الخاص بالعقلاء لمعنى هو: أن إسناد القنوت الذي هو الطاعة والخضوع ظاهر في العقلاء بأكمل مما يظهر في غيرهم.

Page 215