পতনের যুগ: আরব জাতির ইতিহাস (সপ্তম খণ্ড)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
জনগুলি
أطل القرن السابع الهجري على الديار المصرية والديار الشامية، وهما في أشد حالات الاضطراب والفوضى كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الخاص بتاريخ الشام في ذلك الحين؛ وذلك لأن الأسرة الأيوبية الحاكمة في القطرين قد فقدت بأسها بعد أن هلك الملك العادل 596-615ه/1200-1218م الذي استطاع أن يعيد مملكة أخيه الملك صلاح الدين إلى وحدة أجزائها بعد أن تقاسمها أبناؤه وإخوته، ومزقوا شملها، فانتهز الصليبيون هذا التفرق، وجمعوا جموعهم في عكا، وساروا نحو مصر، وحاصروا مدينة دمياط، وفتكوا بأهلها فتكة مات الملك العادل على أثرها مكمودا مكبودا، وعادت الفوضى من جديد إلى صفوف الأيوبيين بعد وفاته، فقد تملك بعده ابنه الملك الكامل في مصر، وتملك كل من إخوته الفائز والمعظم والأشرف في الشام والجزيرة، والصليبيون ما زالوا محاصرين دمياط.
وقد عم البلاء كافة الديار المصرية، والملك الكامل يراسل إخوته وأعمامه، ويستحث أمراء الإسلام طرا لمعاونته على طرد الصليبيين الذين ضيقوا عليه الخناق فلم ينصره أحد، وسقطت دمياط بعد حصار ستة عشر شهرا هلك به من أهلها خلق كثير، وغنم الصليبيون ما لا يقدر من الأموال والذخائر، وقد ظل الصليبيون يحتلون ذلك الجزء من القطر المصري ثلاث سنوات وأربعة أشهر، ثم عقد الملك الكامل معهم معاهدة صلح ظهر فيها بمظهر المستخزي الضعيف، وزاد في استخزائه أنه طلب إليهم أن يعاونوه على الفتك بأخويه الملك الأشرف والملك المعظم، وأغرى الإمبراطور فريدريك الثاني ملك الصليبيين على اغتيال أخيه الملك المعظم وإخراج دمشق من سلطانه، فتم له ما أراد، ورجع - أي فريدريك - إلى فلسطين، وسيطر على القدس وما حولها، ثم توجه إلى عكا وصور فاستولى عليهما، واستقر في ملك فلسطين خمسة عشر عاما وهو السيد المطاع في كافة أرجائها.
أما الملك الكامل فإنه رضي بخزيه، وظل في مصر إلى أن هلك في رجب سنة 635ه/1238م فتولى الأمر بعده ابنه الملك العادل الثاني، ولم يطل عهده أكثر من سنتين لم يأت فيهما بعمل صالح ذي قيمة، ثم تآمر عليه أخوه الملك الصالح في سنة 637ه/1240م فخلعه عن العرش، واستولى على الشام ومصر، وحاول توطيد أركان دولته، والقضاء على من يناوئونه من الأمراء، ففر الملك الجواد يونس صاحب ما بين النهرين لاجئا إلى الصليبيين في عكا، وسعى في التوفيق بينهم وبين الملك إسماعيل صاحب دمشق والملك إبراهيم صاحب حمص، وألف الجميع جبهة واحدة ضد الملك الصالح صاحب مصر، والتقت الجيوش المصرية بالجيوش الصليبية ومن معهم، ودارت الدائرة على الصليبيين فردوا على أعقابهم خاسرين، وبلغت أخبار هذا الانكسار إلى أوروبة؛ فخجلت من انكسارات جيوشها الصليبية المتواصلة، وعزم ملوكها وأمراؤها ورجال الكنيسة فيها أن يغسلوا عار هذه الانكسارات بحملة قوية يرأسها الملك القديس لويس التاسع صاحب فرنسة، فجمعوا جيشا كبيرا قوامه خمسون ألف مقاتل مزودين بشيء كثير من الذخيرة والعدد والمراكب، فلما علم الملك الصالح بذلك حصن مدينة دمياط، وأعد أسطولا كبيرا قويا للقائهم، والتقى الفريقان، وانتصرت الجيوش العربية، وأسرت الملك لويس التاسع، ومات الملك الصالح ولم يكن له من البنين إلا ابنه طوران شاه، ولم يكن حازما فلم تطل مدته وقتله الأمراء، وتولت الأمر من بعده شجرة الدر زوجة الملك الصالح، وكانت سيدة ذكية سياسية، فنظمت الجيوش المصرية خير تنظيم، وقاتلت الصليبيين، وكسرت جموعهم عند مدينة فارسكور وانخذل الصليبيون تماما، وكانت هذه الحملة آخر حملاتهم على بلاد الإسلام، وكفى الله المؤمنين شرهم. •••
كان الملك طوران شاه ابن الملك الصالح آخر الملوك الأيوبيين، فتولى الملك سنة 647ه/1249م بعد أن مات أبوه وهو ببلاد الشام، فلما علم بوفاته قدم إلى «المنصورة» حيث كانت ترابط الجيوش المصرية الظافرة، وتقدم الصليبيون يطلبون المصالحة وفداء الملك لويس، فقبل طوران شاه بفدائه مقابل مبلغ عظيم من الذهب، ولكن الأمراء المماليك غضبوا لهذه العملة وثاروا عليه ثم قتلوه في سنة 648ه/1250م واختلفوا فيمن يولونه، ثم اتفقوا على تولية شجرة الدر، واتفقت مع المملوك عز الدين أيبك أن يعينها في مهمتها فتم لها ما أرادت، وتلقبت بعصمة الدين أم خليل المستعصمية، وكان ذلك في صفر سنة 648ه وخطب باسمها على المنابر، وسمت المملوك عز الدين أيبك أتابكا أي مربيا لولي العهد الطفل، ولم ينكر أحد عليها أن تتولى عرش الأيوبيين؛ لما كانت عليه من الحزم والكرم والسياسة إلا أن نقطة واحدة كانت تزعجهم وهي كونها امرأة، ومن هنا قام بعض الأمراء يستفتون خليفة بغداد في هذا الأمر، فأجابهم بكتاب فيه: «... أعلمونا إن كانت الرجال عدمت عندكم حتى نسير إليكم رجلا يصلح للسلطنة، أما سمعتم في الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ...» ولما بلغت هذه الرسالة القاهرة اضطربت شجرة الدر، وأخذت فكرة التملك تخامر نفوس نفر من كبار المماليك، كما عزم قوم منهم على تولية بعض بقايا الأيوبيين، فاختاروا الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز صاحب حلب، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك واستطاع جماعة الأمير عز الدين أيبك أن يكرهوا شجرة الدر على التنازل لأيبك، فتنازلت له على أن يتزوجها، وكان لها ما أرادت، ونودي بالأمير عز الدين أيبك الجاشنيكر المملوك التركماني الأصل ملكا على البلاد في آخر ربيع الثاني سنة 648ه، ويظهر أن هذا الحل لم يرق سائر المماليك؛ فاجتمع رؤساؤهم أمثال: فارس الدين آق طاي، وركن الدين بيبرس، وسنقر الرومي، وعزموا على أن يولى الأمر إلى أحد الأمراء الأيوبيين على أن يكون أيبك «أتابكا» للمملكة، واختاروا لذلك الملك الأشرف الأيوبي، وكان فتى لم يتجاوز العشرين من عمره، فخطب لهما على المنابر معا، هذا سلطان وذاك أتابك، والحل والربط لا لهذا ولا لذاك؛ بل لشخص ثالث هو السيدة شجرة الدر.
هذا ما كان من أمر السلطنة في ديار مصر، أما في الشام فإن الملك الناصر صاحب حلب أخذ يعد نفسه للاستيلاء على الشام، فزحف إلى دمشق واستولى عليها، وجمع حوله من بقي من أمراء الأيوبيين؛ لمعاونته في استعادة ملك مصر، وكتب إلى الملك لويس التاسع المقيم في عكا يستمده العون على المصريين، ويعده أن يسلمه بيت المقدس إذا ما تم لهما النصر ، فانتهز لويس هذه الفرصة، وكتب إلى مصر يهدد مماليكها بأنه سينضم إلى الملك الناصر إذا لم يجيبوه إلى عقد معاهدة صلح جديدة تتضمن البنود الستة الآتية: (1)
إلغاء معاهدة «المنصورة» التي أطلق بموجبها الملك لويس من أسره. (2)
إعادة الأطفال الفرنسيين والنصارى الذين أكرهوا على اعتناق الإسلام إلى دينهم. (3)
إعادة رءوس النصارى الصليبيين التي كانت مطمورة في متاريس القاهرة. (4)
অজানা পৃষ্ঠা