পতনের যুগ: আরব জাতির ইতিহাস (সপ্তম খণ্ড)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
জনগুলি
4
وقد حاولت الدولة العثمانية مرات القضاء عليه فلم توفق إلى أن كانت سنة 1043ه فبعثت الدولة والي دمشق أحمد باشا الأرناءوط لقتاله فظفر به وقتل ابنه وأخاه، وسيره أسيرا إلى الباب العالي في الأستانة، فاعتذر للسلطان وعفا عنه وأبقاه عنده، ولكن لما ثار الأمير ملحم في لبنان وكسر الجيش العثماني صدر أمر السلطان بقتل الأمير فخر الدين، وبقتله قضي على فكرة الاستقلال والتخلص من النفوذ التركي، وقد كان هذا الأمير من محاسن الدهر؛ لحسن سياسته وكياسته، وحبه للسير في مواكب الحضارة والتطور.
وفي سنة 1071ه عهدت الدولة العثمانية بولاية سورية إلى أحمد باشا الكوبرلي ابن الصدر الأعظم محمد باشا الكوبرلي، فقدمها، وكان شابا شديد الحماسة، فأغار على بقايا المعنيين وآل شهاب فشردهم من ديارهم، وهدم قصورهم في حاصبيا وراشيا، وقطع نحوا من خمسين ألف شجرة توت كانت مصدر ثروة للبلاد؛ لاستعمالها في إنتاج الحرير الطبيعي، فكسدت الأسواق وفسدت أحوال البلاد، ويظهر أن الدولة العثمانية قد أحست بالفساد وسوء حالة البلاد لسوء إدارة الولاة، وللإقطاعات التي كان يسيطر عليها كثير من الأمراء المحليين، مثل آل شهاب، وآل معن، وآل الحرفوش، وآل سيفا، وآل سرحان، وآل حيمور، فحاوت التخلص منهم، إما بمحاربتهم والقضاء عليهم أو بإيقاع الشر فيما بينهم، وقد استمرت هذه الأحوال القلقة حتى نهاية القرن الحادي عشر للهجرة، فلما جاء القرن الثاني عشر وتولى عرش السلطنة العثمانية الملك مصطفى الثاني 1106-1115ه، وكان رجلا كيسا، رأى سوء الحالة التي صارت إليها الإمبراطورية العثمانية، فأمر بالقيام بإصلاحات واسعة في سائر أنحائها، ولكن ولاته في الشام لم يبدلوا خطتهم، وظلت البلاد على حالتها السيئة، وفي هذه الفترة لمع في الشام نجم أمير من بني شهاب هو بشير الشهابي، وكان على جانب عظيم من الدهاء والذكاء والسياسة، فولاه قبلان باشا والي الشام في سنة 1110ه على إيالة صيدا، فسار بالبلاد سيرة حسنة، وسعى في تقوية السلطان العربي، وامتد سلطانه من حدود بلاد صفد إلى حدود المعاملتين حتى أصبح السيد المطاع في الديار الشامية كلها، ويعتبر عهده من أزهى العصور في هذه الفترة، إلى أن مات في سنة 1119ه.
وفي سنة 1120 تولى الشام نصوح باشا، وكان شديد الفتك والعنف، وظل في ولايته إلى سنة 1126ه، وفي هذه الفترة كثر اللصوص في البلاد، وعمت الفوضى، واضطرب حبل الأمن في أكثر مدن الشام، وخصوصا في لبنان؛ للفتن التي وقعت بين مشايخ المتاولة والأمراء الشهابيين والانكشارية، إلى أن تولى الشام إسماعيل باشا العظم في سنة 1137ه وكان حاكما عادلا فأحبه الناس، وتولى إمرة الحج عدة مرات، وانتهى به الأمر أن غضب عليه الباب العالي في سنة 1143ه فحبس في قلعة دمشق، واستأصلت الدولة العثمانية أمواله وأموال أهله، ثم أفرج عنه فاستقر في دمشق، وأعقب الباشوات أسعد وسعد الدين ومصطفى، وكلهم تولى الوزارة أو الولاية في دمشق أو حماه أو صيدا أو طرابلس، حتى جاء زمن صاروا فيه وحدهم حكام الديار الشامية جميعها، قال المرحوم الأستاذ محمد كرد علي: «عظمت دولتهم؛ لأنهم أخلصوا في الغالب للدولة كل الإخلاص، حتى أمنتهم ووسدت إليهم الأحكام في الشام، وتركتهم يعملون ما يشاءون، وجاء دور وهم حكامها من أقصاها إلى أقصاها، وكان بنو العظم كسائر الأسر القديمة التي تغلبت على بعض أصقاع الشام أمثال بني معن، وبني شهاب، وبني الحرفوش، وبني سيفا، وبني طرابيه، ومنهم الصالح والطالح، وهل هم إلا نموذج من عصرهم، ولا شك أنهم جمعوا أموالا كثيرة؛ لأن حكوماتهم طالت أيامها ، والولاية بالالتزام، فكان الوالي منهم كسائر الولاة يرضي الأستانة بمبلغ ويبقي له بعد كل إسراف مبلغ كبير، وهو الحاكم المتحكم في ثروة البلاد والأفراد.»
5
وفي سنة 1174ه قتل أسعد باشا العظم، وضبطت الدولة العثمانية داره وأمواله، وأخبر مولاه عثمان آغا الكرجي عن ذخائره المخبوءة، فأنعمت الدولة عليه برتبة الباشوية وبتولي دمشق، فتولاها إحدى عشرة سنة، وسار بالناس سيرة حسنة، وفي هذه الفترة ظهر في ديار الشام رجل قوي ذو مطامع وهو الشيخ ظاهر العمر، عهد إليه والي صيدا بجمع الضرائب؛ فقسا على الناس في جمعها، وهابوه فقوي نفوذه، فجمع شيوخ المتاولة والأعراب من حوله، وأغدق عليهم المال فأحبوه، وعظم سلطانه فسمت نفسه إلى الولاية، وطرد والي عكا، ثم والي صيدا، وأخذ يسعى سرا للاتصال بالدولة الروسية، فاتصل بها وحالفته ضد الدولة العثمانية، وأغرته على الاستقلال بالشام كله، وطرد بقايا الولاة العثمانيين، فأخذ يعد لذلك عدته، ويعمل على طردهم من الشام، وضاق عثمان باشا الكرجي والي دمشق به ذرعا، واستنجد بأمير مصر علي بك، وجرت بين الطرفين معارك عنيفة استمرت إلى سنة 1185ه واستولى الجيش المصري بقيادة أبي الذهب على جميع البلاد الشامية من الجنوب حتى حلب، وعظم نفوذ الشيخ ظاهر إلى أن وقع الخلاف بينه وبين المصريين، واضطر أبو الذهب أن يرجع إلى مصر، فاغتنم عثمان باشا الكرجي هذه الفرصة، وأعاد الكرة على الشيخ ظاهر فكسره وكاد أن يفتح عكا، ولكن الشيخ ظاهر وجماعته استطاعوا أن يطردوه عن مدينتهم، ولما استقرت الأمور للشيخ ظاهر كتب إلى علي بك صاحب مصر يخبره بسوء حالة أبي الذهب وخيانته، ثم كتب إلى الإمبراطورة كاترينة ملكة روسية يطلب إليها أن تنجده بأسطول يحارب به الأسطول العثماني، فبعثت إليه بمراكب عسكرية استطاع الشيخ ظاهر أن يحاصر بها الأسطول العثماني، فكسره شر كسرة، وفتكت المراكب الروسية بمدينتي بيروت وصيدا، وأحرقت قسما من الساحل السوري، وهدمت كثيرا من أبراجه بمدافعها الثقيلة حتى ضاق الناس بما حل ببلادهم، واستسلموا للمراكب الروسية، وترك كثير من أهالي بيروت بيوتهم هربا إلى الداخل.
وما زال أمر الشيخ ظاهر العمر منذ ذلك الحين في صعود حتى بعثت الدولة العثمانية بأسطول بحري بقيادة حسن باشا الجزائري في سنة 1189ه، وكتبت إلى كل من محمد باشا العظم والي صيدا وأحمد باشا الجزار أمير السواحل السورية بقتال الشيخ ظاهر العمر، وحين أحس بالخطر أراد أن ينجو بنفسه فلم يستطع، وقتله أحد عبيده المغاربة، وتسلم أحمد باشا الجزار ولاية عكا وصيدا وما إليهما، وأخذ يفتك بآل العمر وأولاده وأنصاره حتى شردهم، وامتد سلطانه من بلاد صفد وأربد ونابلس إلى حيفا ويافا وصيدا وعكا، ولما تم له تطهير البلاد منهم ومن أنصارهم شرع في ترتيب أمور دولته، ثم سيطر على بيروت وبعلبك في سنة 1181ه، ثم عهدت إليه الدولة بولاية دمشق في سنة 1189ه حتى سيطر على الشام كله إلى أن جاء نابليون الفرنسي بحملته على مصر - كما سنفصله في موضعه - وأحس نابليون باجتماع الجيوش العثمانية عليه في الشام وعزمها على محاربته، وقرر أن يفاجئها؛ فاحتل مدينتي حيفا ويافا، ثم قصد عكا وكانت كسرته المشهورة عندها، ورجع خاسرا إلى مصر، ولم يبق فيها طويلا حتى اضطرته الأحوال القلقة في فرنسة إلى العودة من حيث أتى.
وظل أحمد باشا الجزار في ولاية دمشق والجنوب، أما الشمال فكان مستقلا بولاته، وقد تعاقب على حلب في هذا القرن سبعون واليا تركيا قضى أكثرهم في الولاية أشهرا معدودة، ولم يتجاوز بعضهم الخمس سنوات، وكان ولاة دمشق ستة وأربعين واليا في هذا القرن، كان منها نحو نصف قرن تحت حكم آل العظم، وكان لبنان يعيش تحت حكم المتغلبين من الأمراء، وقلما استطاعت الدولة العثمانية القضاء على سلطتهم، أو تمكنت من فرض هيبتها بشكل بارز، وإنما كانت تستعين بإثارة الجار على جاره، وابن العم على ابن عمه ، وكان الولاة في الأغلب يتمتعون بسلطان استقلالي.
الفصل التاسع
مصر منذ القرن السابع للهجرة حتى نهاية عصر المماليك البحرية
অজানা পৃষ্ঠা