القول فيه في أوائل المنطق، وإن لم يكن ذلك موضعه، فإنهم إنما غلطوا فيه هناك. فنقول: قد علم، فيما سلف، أن بين المحل والموضوع فرقا، وأن الموضوع يعنى به ما صار بنفسه ونوعه قاما، ثم صار سببا لأن يقوم به شيء فيه ليس كجزء منه. وأن المحل كل شيء يحله شيء فيصير بذلك الشيء بحال ما، فلا يبعد أن يكون شيء موجودا في محل ويكون ذلك المحل لم يصر بنفسه نوعا قائما كاملا بالفعل، بل إنما تحصل قوامه من ذلك الذي حله وحده، أو مع شيء آخر، أو أشياء أخرى اجتمعت، فصيرت ذلك الشيء موجودا بالفعل، أو صيرته نوعا بعينه. وهذا الذي يحل هذا المحل يكون لا محالة موجودا لا في الموضوع. وذلك لأنه ليس يصلح أن يقال: إنه في شيء، إلا في الجملة، أو في المحل، وهو في الجملة كجزء، وكان الموضوع ما يكون فيه الشيء، وليس كجزءمنه، وهو في المحل ليس كشيء حصل في شيء، ذلك الشيء قائم بالفعل نوعا، ثم يقيم الحال فيه؛ بل هذا المحل جعلناه إنما يقوم بالفعل بتقويم ما حله، وجعلنا إنما يتم له به نوعيته إذا كانت نوعيته إنما تحصل أو تصير له نوعية باجتماع أشياء جملتها يكون ذلك النوع. فبين أن بعض ما في المحل ليس في الموضوع. وأما إثبات هذا الشيء الذي هو في محل دون موضوع، فذلك علينا إلى قريب. وإذا أثبتناه، فهو الشيء الذي يخصه في مثل هذا الموضوع بإسم الصورة، وإن كنا قد نقول لغيره أيضا صورة باشتراك الأسم. وإذا كان الموجود لا في الموضوع هو المسمى جوهرا، فالصورة أيضا جوهر. فأما المحل الذي لا يكون في محل آخر فلا يكون في موضوع لا محالة، لأن كل موجود في موضوع فهو موجود في محل ولا ينعكس. فالمحل الحقيقي أيضا جوهر، وهذا المجتمع أيضا جوهر. وقد عرفت من الخواص التي لواجب الوجود أن واجب الوجود لا يكون إلا واحدا، وأن ذا الأجزاء أو المكافئ لوجوده لا يكون واجب الوجود، فمن هذا يعرف أن هذا مركب، وهذه الأجزاء كلها في أنفسها، ممكنة الوجود، وأن لها لا محالة سببا يوجب وجودها. فنقول أولا: إن كل جوهر فإما أن يكون جسما، وإما أن يكون غير جسم، فإن كان غير جسم فإما أن يكون جزء جسم، وإما أن لا يكون جزء جسم، بل يكون مفارقا للأجسام بالجملة. فإن كل جزء جسم فإما أن يكون صورته، وإما أن يكون مادته. وإن كان مفارقا ليس جزء جسم فإما أن تكون له علاقة تصرف ما في الأجسام بالتحريك ويسمى نفسا، أو يكون متبرئا عن المواد من كل جهة ويسمى عقلا. ونحن نتكلم في إثبات كل واحد من هذه الأقسام.
الفصل الثاني: (ب)
পৃষ্ঠা ৩১