المقالة الثانية وفيها أربعة فصول
الفصل الأول: (أ) فصل في تعريف الجوهر وأقسامه بقول كلي
فنقول: إن الوجود للشيء قد يكون بالذات مثل وجود الإنسان إنسانا، وقد يكون بالعرض مثل وجود زيد أبيض. والأمور التي بالعرض لا تحد. فلنترك الآن ذلك ولنشتغل بالموجود، والوجود الذي بالذات. فأقدم أقسام الموجودات بالذات هو الجوهر، وذلك لأن الموجود قسمين: أحدهما، الموجود في شيء آخر، ذلك الشيء الآخر متحصل القوام والنوع في نفسه، وجودا لا كوجود جزء منه، من غير أن تتضح مفارقته لذلك الشيء، وهو الموجود في موضوع؛ والثاني، الموجود من غير أن يكون في شيء من الأشياء بهذه الصفة، فلا يكون في موضوع البتة، وهو الجوهر. وإن كان ما أشير إليه في القسم الأول موجودا في موضوع، فلذلك الموضوع لا يخلو أيضا من أحد هذين الوصفين؛ فإن كان الموضوع جوهرا فقوام العرض في الجوهر، وإن لم يكن جوهرا كان أيضا في موضوع ورجع البحث إلى الإبتداء، واستحال ذهاب ذلك إلى غير النهاية، كما سنبين في مثل هذا المعنى خاصة. فيكون لا محالة آخره فيما ليس في موضوع، فيكون في جوهره، فيكون الجوهر مقوم العرض موجودا، وغير متقوم بالعرض، فيكون الجوهر هو المقدم في الوجود. وأما أنه هل يكون عرض في عرض، فليس بمستنكر، فإن السرعة في الحركة، والإستقامة في الخط، والشكل المسطح في البسيط، وأيضا فإن الأعراض تنسب إلى الوحدة والكثرة، وهذه، كما سنبين لك، كلها أعراض. والعرض وإن كان في عرض فهما جميعا معا في موضوع، والموضوع بالحقيقة هو الذي يقيمها جميعا، وهو قائم بنفسه. ثم قد يجوز كثير ممن يدعي المعرفة أن يكون شيء من الأشياء جوهرا وعرضا معا بالقياس إلى شيئين، فيقول: إن الحرارة عرض في غير جسم النار، لكنها في جملة النار ليست بعرض لأنها موجودة فيه كجزء، وأيضا ليس يجوز رفعها عن النار، والنار تبقى، فإذن وجودها في النار ليس وجود العرض فيها، فإذ لم يكن وجودها فيها وجود العرض، فوجودها فيها وجود الجوهر. وهذا غلط كبير، وقد أشبعنا
পৃষ্ঠা ৩০