وكونه قياسا يلزم مقتضاه، هو أيضا على قسمين، على ما علمت، فالقياس الذي يلزم مقتضاه بحسب الأمر في نفسه، هو الذي مقدماته مسلمة في أنفسها، وأقدم من النتيجة. وأما الذي هو بالقياس، فالذي قد سلم المخاطب مقدماته، فتلزمه النتيجة. ومن العجائب أن السوفسطائي الذي غرضه المماراة يضظر إلى أحد الأمرين: إما إلى السكوت والإعراض، وإما إلى الإعتراف لا محالة بأشياء، والإعتراف بأنها تنتج عليه. وأما المتحير فعلاجه حل شبهة، وذلك لأن المتحير لا محالة إنما وقع فيما وقع فيه إما لما يراه من تخالف الأفاضل الأكثرين، ويشاهده من كون رأي كل واحد منهم مقابلا لرأي الآخر الذي يجده قرنا له، لايقصر عنه، فلا يجب عنده أن يكون أحد القولين أولى بالتصديق من الآخر؛ وإما لأنه سمع من المذكورين المشهورين المشهود لهم بالفضيلة أقاويل لم يقلها عقله بالبديهة، كقول من قال: إن الشيء لا يمكنك أن تراه مرتين، بل ولا مرة واحدة، وإن لا وجود لشيء في نفسه، بل بالإضافة. فإذا كان قائل مثل هذا القول مشهورا بالحكمة لم يكن بعيدا أن يتحير الشادي لقوله. وإما لأنه قد اجتمع عنده قياسات متقابلة النتائج ليس يقدر على أن يختار واحد منها ويزيف الآخر. فالفيلسوف يتدارك ما عرض لأمثال هؤلاء من وجهين: أحدهما حل ما وقع فيه من الشك؛ والثاني التنبيه التام على أنه لا يمكن أن يكون بين النقيضين واسطة. أما حل ما وقع فيه فمن ذلك أن يعترفه أن الناس ناس لا ملائكة. ومع ذلك فليس يجب أن يكونوا متكافئين في الإصابة، ولا يجب إذا كان واحد أكثر صوابا في شيء من آخر، أن لا يكون الآخر أكثر صوابا منه في شيء آخر. وأن يعرف أن أكثر المتفلسفين يتعلم المنطق وليس يستعمله، بل يعود آخر الأمر فيه إلى القريحة فيركبها ركوب الراكض من غير كف عنان أوجذب خطام. وأن من الفضلاء من يرمز أيضا برموز، ويقول ألفاظا ظاهرة مستشنعة أو خطأ وله فيها غرض خفي، بل أكثر الحكماء ، بل الأنبياء الذين لا يؤتون من جهة غلطا أو سهوا هذه وتيرتهم. فهذا يزيل شغل قلبه من جهة ما استنكر من العلماء. ثم يعرفه فيقول: إنك إذا تكلمت فلا يخلو إما أن تقصد بلفظك نحو شيء من الأشياء بعينه، أو لا تقصد، فإن قال إذا تكلمت لم أفهم شيئا، فقد خرج هذا من جملة المسترشدين المتحيرين، وناقض الحال في نفسه، وليس الكلام معه هذا الضرب من الكلام. وإن قال: إذا تكلمت فهمت باللفظ كل شيء فقد خرج عن الإسترشاد. فإن قال: إذا تكلمت فهمت به شيئا بعينه، أو أشياء كثيرة محدودة. فعلى كل حال فقد جعل للفظ دلالة على أشياء بعينها لا يدخل في تلك
পৃষ্ঠা ২৭