فصل في بيان الحق والصدق والذب عن أول الأقاويل، في المقدمات الحقة أما الحق فيفهم منه الوجود في العيان مطلقا، ويفهم منه الوجود الدائم ويفهم منه حال القول أو العقد الذي يدل على حال الشيء في الخارج إذا كان مطابقا له، فنقول: هذا قول حق، وهذا إعتقاد حق. فيكون الواجب الوجود هو الحق بذاته دائما، والممكن الوجود حق بغيره، باطل في نفسه. فكل ما سوى الواجب الوجود الواحد باطل في نفسه. وأما الحق من قبل المطابقة فهو كالصادق، إلا أنه صادق فيما أحسب باعتبار نسبته إلى الأمر، وحق باعتبار نسبة الأمر إليه. وأحق الأقاويل أن يكون حقا ما كان قد صدقه دائما، وأحق ذلك ما كان صدقه أوليا ليس لعلة. وأول كل الأقاويل الصادقة الذي يتنهي إليه كل شيء في التحليل، حتى أنه يكون مقبولا بالقوة أو بالفعل في كل شيء يبين أو يتبين به، مكا بيناه في كتاب البرهان، هو أنه: لا واسطة بين الإيجاب والسلب. وهذه الخاصة ليست من عوارض شيء إلا من عوارض الموجود بما هو موجود، لعمومه في كل موجود. والسوفسطائي إذا أنكر هذا، فليس ينكره إلا بلسانه معاندا. أو يكون قد عرض له شبهة في أشياء فسد عليه عنده فيها طرفا النقيض لغلط جرى عليه مثلا، لأنه لا يكون حصل له حال التناقض وشرائطه. ثم إن تبكيت السوفسطائي، وتنبيه المتحير أبدا، إنما هو في كل حال على الفيلسوف، ويكون لا محالة بضرب من المحاورة. ولا شك أن تلك المحاورة تكون ضربا من القياس الذي يلزم مقتضاه، إلا أنه لا يكون في نفسه قياسا يلزم مقتضاه، ولكن يكون قياسا بالقياس. وذلك لأن القياس الذي يلزم مقتضاه على وجهين: قياس في نفسه، وهو الذي تكون مقدماته صادقة في أنفسها، وأعرف عند العقلاء من النتيجة، ويكون تأليفه تاليفا منتجا، وقياس كذلك بالقياس، وهو أن تكون حال المقدمات كذلك عند المحاور حتى يسلم الشيء وإن لم يكن صدقا، وإن كان صدقا لم يكن أعرف من النتيجة التي يسلمها، فيؤلف عليه بتأليف صخيح مطلق أو عنده. وبالجملة فقد كان القياس ما إذا سلمت مقدماته لزم منه شيء، فيكون ذلك قياسا من حيث كذا. ولكنه ليس يلزم أن يكون كل قياس قياسا يلزم مقتضاه، لأن مقتضاه يلزم إذا سلم، فإذا لم يسلم كان قياسا. لأنه قد أورد فيه ما إذا وضع وسلم لزمه، ولكن لما لم يسلم بعد لم يلزم مقتضاه، فيكون القياس قياسا، أعم من كونه قياسا يلزم مقتضاه.
পৃষ্ঠা ২৬