الدلالة غيرها. فإن كانت تلك الكثرة تتفق في معنى واحد فقد دل أيضا على معنى واحد، وإن لم يكن كذلك فالإسم مشترك، ويمكن لا محالة أن يفرد لكل واحد من تلك الجملة إسما؛ فهذا يسلمه من قام مقام المسترشدين المتحيرين. وإذا كان الإسن دليلا على شيء واحد كالإنسان مثلا فالا إنسان، أعني ما هو مباين للإنسان لا يدل عليه ذلك الإسم بوجه من الوجوه. فالذي يدل عليه إسم الإنسان لا يكون الذي يدل عليه إسم اللا إنسان، فإن كان الإنسان يدل على اللا إنسان، فيكون لا محالة الإنسان، والحجر، والزورق، والفيل شيئا واحدا؛ بل يدل على الأبيض، والأسود، والثقيل، والخفيف، وجميع ما هو خارج مما دل عليه إسم الإنسان. وكذلك حال المفهوم من الألفاظ هذه، فيلزم من هذا أن يكون كل شيء وأن يكون ولا شيء من الأشياء نفسه، وأن لايكون للكلام مفهوم. ثم لا يخلو إما أن يكون هذا حكم كل لفظ، وحكم كل مدلول عليه باللفظ، أو يكون بعض هذه الأشياء بهذه الصفة، وبعضها بخلافها. فإن كان هذا في كل شيء فقد عرض أن لا خطاب ولا كلام، بل لا شبهة ولا حجة أيضا. وإن كان في بعض الأشياء قد تتميز الموجبة عن السالبة، وفي بعضها لا تتميز، فحيث تتميز يكون لا محالة ما يدل عليه الإنسان غير ما يدل عليه باللا إنسان؛ وحيث لا يتميز كالأبيض واللا أبيض يكون مدلولهما واحد، فيكون كل شيء هو لا أبيض فهو أبيض، وكل شيء هو أبيض فهو لا أبيض، فالإنسان إذا كان له مفهوم متميز فإن كان الأبيض فهو أيضا لا أبيض الذي هو والأبيض واحد، واللا إنسان كذلك؛ فيعرض مرة أخرى أن يكون الإنسان واللا إنسان غير متميزين. فهذا ومثاله قد يزيح علة المتحير المسترشد في أن يعرف أن الإيجاب والسلب لا يجتمعان، ولا يصدقان معا. وكذلك أيضا قد تبين له أنهما لا يرتفعان ولا يكذبان معا، فإنه إذا كذبا معا في شيء، كان ذلك الشيء ليس بإنسان مثلا، وليس أيضا بلا إنسان. فيكون قد اجتمع الشيء الذي هو اللا إنسان وسالبه الذي هو لا لا إنسان، وقد نبه على بطلانه. فهذه الأشياء وما يشبهها مما لا يحتاج أن نطول فيه، وبحل الشبه المتقابلة من قياسات المتحير يمكننا أن نهديه. وأما المتعنت فينبغي أن يكلف شروع النار، إذ النار واللا نار واحد؛ وأن يؤلم ضربا، إذا الوجع واللا وجع واحد؛ وأن يمنع الطعام والشراب، إذ الأكل والشرب وتركهما واحد. فهذا المبدأ الذي ذببنا عنه من يكذبه،هو أول مبادئ البراهين، وعلى الفيلسوف الأول أن يذب عنه. ومبادئ البراهين تنتفع في البراهين. والبراهين تنتفع في معرفة الأغراض الذاتية لموضوعاتها. لكن معرفة جوهر الموضوعات الذي كان فيما سلف يعرف بالحد فقط، فما يلزم الفيلسوف ههنا أن يحصله،
পৃষ্ঠা ২৮