ولذلك قيل: السعيد هو الخيِّر العاقل غنيًّا كان أو فقيرًا، قويّا كان أو ضعيفًا.
فإن قيل: ما الخير والسعادة والفضيلة والنافع، وهل بينها فرق،.
قيل: أما الخير المطلق فهو المختار من أجل نفسه، والمختار غيره لأجله، وهو الذي يتشوقه كل عاقل، بل قد قيل: هو الذي يتشوقه الكل بلا مثنوية، فإن الكل يطلب في الحقيقة الخير وإن كان قد يعتقد في الشر أنه خير فيختاره.
فمقصده الخير ويضاده الشر وهو المجتوى من أجل نفسه، والمجتوى غيره من أجله.
قال النبي ﷺ " لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة "
فجعل الخير المطلق الجنة، والشر المطلق النار كما ترى، وقد يقال لكل ما يتوصل به إلى الخير: خير، ولهذا سمى اللَّه تعالى المال خيرًا في قوله: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)
لكن المال والجاه في الحقيقة قد يكون خيرا لبعض الناس وشرًّا لبعضهم،
فمعلوم أنه كان شرًّا لمن قال تعالى فيه: (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) .
وأما السعادة المطلقة فحسن الحياة في الآخرة، وهي الأربع التي تقدم ذكرها من البقاء بلا فناء، والقدرة بلا عجز، والعلم بلا جهل، والغنى بلا فقر.
وقد يقال لا يتوصل به إلى هذه السعادات الأربع: سعادة، وهي الستة عشر المتقدمة، ويضادها الشقاوة.
وأما الفضيلة فاسم لما يحصل به الإنسان ميزة على الغير، وهي اسم لما يتوصل به إلى السعادة، ويضادها الرذيلة.
وأما النافع فهو ما يعين على بلوغ الفضيلة والسعادة والخير، والنافع في الشيء ضربان:
ضروري: وهو ما لا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا به؛ كالعلم والعمل الصالح للمكلفين في البلوغ إلى النعيم الدائم.
1 / 109