والمؤثرة تارة لذاتها وتارة لغيرها كصحة الجسم، فمعلوم أن الرِّجل وإن أريدت للمشي فالإنسان يريد أن يكون صحيح الرجل وإن استغنى عن المشي، ويقال أيضًا: الخيرات ثلاث: نافع، وجميل، ولذيذ.
والشرور ثلائة: ضار، وقبيح، ومؤلم.
وكل واحد من ذلك ضربان:
أحدهما: مطلق، وهو الذي يجمع الأوصاف الثلاثة في الخير كالحكمة فإنها نافعة، وجميلة، ولذيذة، وفي الشر كالجهل فإنه ضار وقبيح ومؤلم.
والثاني: مقيد: وهو الذي جمع شيئًا من أوصاف الخيرات، وشيئًا من أوصاف الشرور، فربَّ نافع مؤلم كجدع قصير أنفه، فإنه وإن نفعه في إدراك الثأر فقد آذاه، وربَّ نافع قبيح كالحمق، فإنه وإن نفع من حيث ما قيل: استراح من لا عقل له، فهو جد قبيح.
وربَّ نافع من وجه ضار من وجه، كمن في سفينة فخاف الغردق فألقى متاعه في الماء، فخلصت السفينة.
وكل ما نفعه، وجماله، ولذته أطول مدة وأعم فائدة، فهو أفضل. فحق على العاقل أن يرغب إلى اللَّه في أن يعطيه ما فيه مصلحته مما لا سبيل له بنفسه إلى اكتسابه،
وأن يبذل جهده مستعينًا باللَّه فىِ اكتساب ما له كسبه، وبلوغ الأعلى فالأعلى منه على الترتيب، فبذلك يشرف، ومن ضيَّع أنفس المقتنيات مع التمكن من تحصيله فهو دنيُّ الهمة، راضٍ بخسيس الحال.
وأشرفها ما إذا حصل لم يغضب ولم يحتج في حفظه إلى أعوان، وكان نافعًا عاجلًا وآجلًا ومطلقا في كل حال، وكل زمان، وكل مكان، وذلك هو الفضائل النفسية ولا سيما العقل والعلم.
فأما القنيات الخارجية نحو المال والجاه فإنها يقال لها: الخيرات المتوسطة؛ لأنها
تنجذب إلى الفضيلة مرة وإلى الرذيلة مرة ولأنها سبب للخيرات إذا كانت مع
العقل، وسبب الشرور إذا كانت مع الجهل، وقد نبَّه اللَّه تعالى على كون ذلك سببًا للشرِّ بقوله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)
وبقوله: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا)
1 / 108