وآفة أخرى تصيب الظروف : ظروف الزمان وظروف المكان و الأصحاب والأتراب والجيران والأهوية والأغذية والصنائع والطبائع وفتور الأنفس لطول الفترة .
نصيب ظروف الزمان في آفة الدين : فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( أمتي على خمس طبقات الطبقة الأولى : أهل علم وهدى ، والطبقة الثانية : أهل بر وتقى ، والطبقة الثالثة : أهل تواصل وتراحم ، والطبقة الرابعة : أهل تدابر وتنافر ، والطبقة الخامسة : أهل هرج ومرج )) ومراد رسول الله عليه السلام في الأزمان بذكر الطبقة الأولى أهل عصره كما قال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يحبون السمن تسبق يمين أحدهم شهادته )) فقال : خير القرون قرني : وهم الذين قال فيهم : أهل علم وهدى ، ثم قال : ثم الذين يلونهم وهم أهل بر وتقوى ، ثم قال : ثم الذين يلونهم وهم أهل تواصل وتراحم ، ثم قال : ثم يأتي أقوام يحبون السمن تسبق يمين أحدهم شهادته وهم أهل تدابر وتنافر ، فلم يكترث بأهل هرج ومرج .
وإنما صار القرن الأول علم وهدى لأنهم اقتبسوا العلم مما سبق لهم من أمور الدنيا ، يفهمون عن النبي عليه السلام الدين تلقينا علما وهدى ، وقبلوه يقينا علما وهدى ، فكانت علومهم وبصائرهم أقوى من أعمالهم ، فمن استقى من عنصر النبوة من ذات نفسه حصل له العلم والهدى بتوفيق الله تعالى وتسديده .
وأما أهل الطبقة الثانية : فإنما صاروا أهل بر تقوى لأنهم نشأوا في الإسلام من حال الصغر فألفوا فعل البر وسبقت إليهم المخاوف التي في الآخرة فغلبت عليهم التقوى .
وأما أهل الطبقة الثالثة : أهل تواصل وتراحم لأنهم غلبت عليهم المسودة الظلمة والملوك الفجرة ، فحالوا بينهم وبين ما أفاء الله عليهم من الفيء وخراج الأرض والغنائم والعطايا فأعقبهم التراحم بينهم البين والتواصل بما قدر به بعضهم لبعض .
পৃষ্ঠা ২৮