ومنها زلة الزهري وهو أول من افتتح من الفقهاء أبواب الأمراء وخدمتهم ومؤانستهم وصار وزيرا لأرذل هذه الأمة من الملوك الوليد بن عبد الملك بن مروان ، وأخذ عليه الفقهاء في ذلك فكتب إليه عشرون ومائة من الفقهاء يؤنبونه ويعيرونه بما فعل ، منهم : جابر بن زيد - رحمه الله - ووهب بن منبه وأبو حازم الفقيه فقيه المدينة ، في أمثالهم ، وقد وقفت على كتب هؤلاء الثلاثة إليه ، فسن للفقهاء مخالطة الملوك وملابساتهم حتى آنسوهم وأزالوا وحشتهم إلى ارتكاب المعاصي ، ونسوا ما ذكروا به من قبل من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لا تزال أمتي بخير ما تباينوا ، فإذا استووا هلكوا رغبة فيما في أيدي الملوك من عرض الدنيا )) . وصارت عطايا الملوك رشوة بعد ما كانت حقا واجبا لهم ، فحرموا جميع من لم يخالطهم ولم يخدمهم ولم يلم بهم ، فحرمت الفقهاء منابذة السلاطين الجورة والخروج عليهم ومحاربتهم وقتالهم والرد عليهم إلى اليوم تسويغا من الزهري بما فعل واستيثارا بعطاياهم .
وآفة أخرى : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( سيكذب علي من بعدي كما كذب على من كان قبلي فما آتاكم عني من حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني )) وهذه الآفة منها معاش أهل الحوانيت يأخذ أحدهم ورقتين من كاغد أو ثلاثا يستخرق فيما لم يسمعه قط من الأحاديث فيعزيه إلى رسول الله عليه السلام وإلى الصحابة فيتعيش بها ويبيعها للجهلة ويشترونها لأولادهم يحسبونها علما ، في أمثالها كثيرا .
وآفة الرهبانية المبتدعة : وأكثر ما تقع في العباد والزهاد يحملون على أنفسهم مشقة العبادة ويرون ذلك حقا واجبا عليهم ولا يرضون بالدون ، حسب زعمهم ، فأحدثوا في الصلاة والزكاة ما ليس منهما ، وفي سائر العبادات ، حتى قطعوا بالعامة وشرعوا لها خلاف الحنفية السهلة السمحة فتورطوا .
পৃষ্ঠা ২৭