فعمد يا إخوتي إلى كلام الله ونوره وضيائه الذي خرج منه وإليه يعود فجعله مخلوقا ، فعظمت مصيبتي يا إخوتي في القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي خرج منه وإليه يعود ، فأي مصيبة أعظم من هذه ، فجعله مخلوقا وأي بلية أعظم منها ، فكأن الله قبل خلقه كان غير عالم وغير متكلم يصفه بصفات العجز والحدث والحاجة والخلق ، فجئتكم يا إخوتي اشكوا إلى الله تعالى وإليكم هذه المصيبة العظيمة والبلية الفادحة ، ولقد أمرتكم يا إخوتي قبل هذا أن اعتزل مجالسهم حتى لا نسمع كلامهم وننتبذ ناحية في المسجد ) فاستجاب القوم بالبكاء من كل ناحية ، فقال بعضهم لبعض : ( قد وجب علينا جهاد هؤلاء القوم ، ولنرجع إلى ما كنا عنه ننهى أول مرة وقد حوجونا إلى ذلك ) .وقال بعضهم : ( إنما اعتزلناه مخافة أن نقع فيما وقعوا فيه وكي نحيي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأما إذا أبيتم فلا حاجة لنا إليكم ) فتبرأ الفريقان بعضهم من بعض ، وعمد الذين أرادوا منابذة القوم فقالوا : ( لابد لنا من مخالطتهم ) وغرضهم أن يقتبسوا من مناظرتهم وحيلهم في جدالهم فيرجعوا بما عليهم ويحاجوهم ، فذهب بعضهم إلى المتكلمين فكان آخر العهد بهم ، وبعضهم إلى القدرية فذهبوا بهم ، وبعضهم إلى حلقة حماد بن أبي حنيفة فتفرقوا على الحلق ومكثوا فيها برهة ، وذهب كل فرقة بمن صار إليها وحصل عندها ، فاختلفوا آخر الأبد ، ولم يجتمع منهم أحد مع صاحبه إلا ما كان من أبي الحسن الأشعري وهو الذي عقب وصار إمام الأشعرية ، ثم أبو بكر بن الطيب بعده - وهو الباقلاني - فوقعوا في تشبيه الباري سبحانه خلافا للأفراق وانتكسوا إلى يوم التلاق .
পৃষ্ঠা ২৬