وزلة السنية أيضا في خلق القرآن على يد شاكر الديصاني ، وذلك أنه جاء إلى البصرة من أرض فارس ، فتأمل حلق البصرة من المسلمين فيها فظهر له من علومهم وحلومهم وحذقهم شيء فاق الوصف ، فأراد أن يلقنهم من البدعة ما يحول بينهم وبين دينهم ، فتأمل الحلق كلها فلما يجد حلقة أرق قلوبا وأضعف نفوسا من حلقة أصحاب الحديث ، فجاءهم فقال لهم : ( يا قوم إني رجل من هؤلاء العجم دخل الإسلام في قلبي فجئت من بلادي إليكم فتأملت فلم أر حلقة يذكر فيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كثيرا إلا حلقتكم فأتيتكم يا إخواني ، فانظروا لنا كيف نعتزل هؤلاء القوم ونكون في ناحية من نواحي المسجد بمعزل وننتبذ عنهم ناحية حتى لا نسمع كلامهم ولا يقرع أسماعنا خطابهم ، فقال القوم : ( صدق ، ونظروا إليه كلما ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شهق وبكى وحن وشكا ، واستعمل الورع والوقار والبكاء والحنين حتى أخذ بقلوبهم ، فلم يزل كذلك إلى أن تغيب عنهم بعض المدة فسألوا عنه فيما بينهم ، فقال بعضهم لبعض : ( قوموا بنا إلى الرجل ولعله مريض فنعوده فإن كان مريضا عدناه أو محتاجا واسيناه ) فوصلوا إليه فوجدوه قد انحجر في قعر بيته ليس له فترة من البكاء ، فقالوا له : ( مالك ؟ ) فقال : ( دعوني لما بي ، قد وقعنا فيما حذرتكم عنه أول مرة ) فقالوا له : ( ما ذلك ؟ ) فقال : ( إني أتيت إلى حلقة حماد بن أبي حنيفة إذ جاءه رجل فقال له : ما تقول في القرآن ؟ فقال : وما عسى أن أقول في القرآن ؟ فقال له الرجل : هل هو مخلوق أم غير مخلوق ؟ فقال حماد بن أبي حنيفة : وما في هذا من العجب القرآن مخلوق .
পৃষ্ঠা ২৫