ولما كنا في الحجرة الخارجية أمرنا أرشينوف أن نأتي معنا بملابس مدفئة، وكل ما نستطيع شراءه من الطعام، وأضاف إلى ذلك قوله: «ومسدس بطبيعة الحال.» واتفقنا على أن نلتقي في استراحة المحطة في اليوم الثاني، ثم تفرقنا فسار أرشينوف في طريق، وسرت أنا وتفتكوف في طريق آخر.
ولم يكن تفتكوف من الذين يستطيعون كتمان ما في ضميرهم فقال لي: «أصدقك القول يا فكتور أندريفتش، إنني لست متحمسا كل التحمس للعمل مع رئيسنا هذا، وأرجو أن أكون مخطئا في ظني، ولكني أحس بأنا لن نستريح إلى العمل معه.» - «دع هذا الهراء يا رفيق تفتكوف، لم تبدأ عملك وأنت كاره لرفيق تجهل كل شيء عنه؟ وقد يتبين لك فيما بعد أنه رجل رقيق الحاشية، وما من شك في أن الحزب يثق به، وأقل ما يجب علينا نحوه أن نثق به نحن أيضا، وأهم ما في الأمر ألا نبدأ العمل ونحن نتوقع الإخفاق.»
وأدركت وأنا أتحدث أني كنت أطمئن نفسي أكثر مما أطمئن صديقي.
ثم واصل حديثه في إصرار قوي: «وما حاجتنا إلى المسدسات؟ لست على استعداد لأن أستولي على الحبوب بالقوة، لقد قال لينين: إن المزرعة الجماعية تعاون اختياري بين الزراع، وكرر ستالين هذا القول نفسه أكثر من مرة، وقد قرأت أنا من أيام قليلة ...» - «اسمع يا تفتكوف، لا يؤلمنك مني إذا تحدثت إليك بصراحة، إن حديثك هذا عجيب حقا، ولي كل الحق في أن أظنك إنسانا سليم النية إلى حد بعيد، أو أنك قد عينت معي لتكون عينا علي.»
فصاح بصوت مرتاع ندمت حين سماعه على صراحتي: «رباه! ما أفظعها من فكرة! لست أشك في أنك ستدرك أنك مخطئ في سوء ظنك بي حتى فيما تقوله عن سذاجتي، فأنا مدرك خطر المهمة التي نحن مقبلون عليها، وذلك هو سبب دهشتي من أننا لم نتلق تعليمات عملية صريحة، فأنا روسي وابن روسي، ولم أكن في يوم من الأيام من الدساسين المأجورين، وليس في وسعي أن أكون هذا الدساس المأجور ولو كانت حياتي معرضة للخطر، وما أفظع أن يتهم الناس بعضهم بعضا بالتجسس والدس المأجور.»
وكأنما أوحي إليه بفكرة جديدة فأضاف إلى أقواله السابقة قوله: «تعال معي في زيارة لأسرتي، فإن بيتي لا يبعد عن هذا المكان أكثر من بضعة مبان.»
وكانت هذه الفكرة التي أوحي إليه بها فكرة موفقة معقولة، فقد كان التقائي بأبويه، والجو المحيط ببيته المتواضع، سببا في إزالة آخر ما بقي لدي من ارتياب في سلامة طوبته وإن كان ذلك قد قوى ظني في ضعفه وقلة تجاربه، ورأيت والده رجلا كبير السن يلبس منظارين على عينيه، ذا لحية صغيرة لها طرف دقيق، أما والدته فكانت سيدة ضئيلة الجسم، ضعيفة البنية، شمطاء الشعر، رحيمة القلب.
وكان كلاهما أشبه بشخصيتين في كتاب من عهد ما قبل الثورة، والغريب في أمرهما أنهما لم يفسدهما ما حدث من عنف في هذه السنين الكثيرة الأحداث، وكأنهما يعيشان في عالم خاص بها لا تستطيع شرور العالم الخارجي أن تصل إليه بسهولة، وخيل إلي أنه يكاد يكون من غير المعقول أن تفتكوف الكبير من أعضاء الحزب قبل حوادث عام 1917م، وكان مما يسر له الإنسان أن يبقى في الحزب إلى الآن رجل «طيب القلب» بالمعنى الذي كان يفهم من هذا اللفظ في العهد القديم، والذي كاد الناس ينسونه الآن.
وقالت مسز تفتكوف تشكو من فعل ولدها: «ولكن لم لم تقل لي يا سريزها إنك مسافر إلى القرى؟ إني أسمع عن فظائع محزنة ...»
ورد عليها زوجها محتجا: «لا ، لا، يا عزيزتي، إن كل ما تسمعينه عما يرتكب من الفظائع في المزارع الجماعية مبالغ فيه كثيرا، ولا يمكن أن تكون الأحوال كما يصورها لك هؤلاء المبالغون، وأنا نفسي من أعضاء الحزب القدامى، وأنا متفق مع الرؤساء في أن نظام المزارع الجماعية هو أملنا الوحيد في حل المشكلة الزراعية، ونجاح هذا النظام يقف معظمه على اختيار الذين ينفذون الأوامر، وأرجو ألا تقدم أنت يا سرجي ولا أنت يا رفيق كرافتشنكو على ارتكاب أي نوع من الفظائع، وما من شك لدي في أن الحزب لا يرغب في شيء من هذا.»
অজানা পৃষ্ঠা