ولما عدت إلى المنزل أبلغت أسرتي نبأ بعثتي إلى الريف، وكان كل من في المنزل لا يزال متأثرا بقصة كاتيا، فبدت عليهم جميعا مظاهر الوجوم والاضطراب مما عسى أن ألاقيه في هذه المهمة، وبعد أن آويت إلى الفراش في تلك الليلة سمعت دقا على باب حجرتي ثم دخلت علي أمي.
وقالت بعد أن جلست على السرير: «معذرة يا فيتيا على هذا التطفل، ولكني قد لا أجد فرصة أتحدث إليك فيها ونحن نودعك غدا.
إني أعرف أن ما يلاقيه القرويون من متاعب يؤرقك ويحزنك كما يؤرق كثيرين غيرك ويحزنهم، ولكني أرجوك أن تهدئ من روعك وتصبر على كل ما عساه أن يصادفك، وتذكر أن ما يحدث في إقليم من الأقاليم لا يعد دليلا على ما يحدث فيها جميعا، وأبغض الأشياء إلي أن تكون تجربة واحدة محزنة سببا في القضاء على كل ما هيأته لمستقبلك في حياتك الشيوعية كلها، وما من شك لدي في أنك ستجعل حياة القرويين المساكين ميسرة قدر ما تستطيع.» - «شكرا لك يا أماه! وأرجو ألا تشغلي بالك بأمري، وثقي أنني لن يصيبني مكروه، وأنا أعلم أن الثورات ليست رحلة للتنزه والاستمتاع.»
ولم يكن الحديث الذي دار بين أعضاء الفرقة الثلاثة في القطار المسافر إلى بدجردنوى حديثا وديا؛ ذلك أن أرشينوف كان يحمل معه مسدسا من طراز موزر معلقا بشريط من الجلد على كتفه، وكان اختياله وإعجابه به سببا في مضايقتنا وإثارة مشاعرنا، على أن أرشينوف نفسه لم يحاول أن يخفي احتقاره لتفتكوف الصغير السن الأشقر اللون، الوسيم الوجه، وتحاشينا كلنا أن نذكر شيئا عن عملنا المشترك.
وقال لي تفتكوف: «إن أهلي الكبار يرسلون إليك يا فكتور أندريفتش تحياتهم.» - «شكرا لك يا سريزها، وهل لك أن تخبرني بهذه المناسبة عن المكان الذي يعمل فيه والدك؟» - «إنه يعمل في مكتب تابع للسكك الحديدية، فهو مهندس كما تعلم، وهو في عمله هذا منذ زمن طويل، وهو عضو في الحزب من قبل عام 1917م.»
وبدا الفزع على أرشينوف حين سمع منه هذا القول، وما من شك في أنه كان يظن أن تفتكوف ابن رجل من رجال الفكر المتحذلقين المجردين من النفوذ، أما وهو ابن بلشفي قديم فقد يصبح هذا الشاب أصعب مراسا مما كان يظنه أولا.
وصاح أرشينوف بامتعاض ظاهر: «تقول: إن أباك عضو في الحزب؟» - «نعم، وأي شيء من الغرابة في هذا؟ ولم تسأل هذا السؤال؟» - «لا شيء، إنه مجرد سؤال لا أكثر.»
ووصلنا إلى المكان الذي نقصده قبيل الغروب، وكان المطر يتساقط رذاذا والطريق الموصل إلى القرية موحلا، ولم ينظر إلينا من لاقيناهم من القرويين بشيء كثير من الاهتمام، ولم يلفت نظرهم إلا مسدس أرشينوف وهو يلطم فخذه السمينة في أثناء مشيه.
وناديته بصوت واطئ: «استمع إلي يا رفيق أرشينوف، أتسمح بأن تخفي مسدسك تحت سترتك؟ فأنا لا أرى موجبا لإرهاب الناس على هذا النحو؟» - «إن هذا من شأني أنا لا من شأنك!» - «لا يا رفيق، إنه ليس من شأنك وحدك، فنحن نعمل هنا مجتمعين، وهو لذلك من شأننا جميعا، وهو فوق هذا من شأن الحزب، وأنا أصر على أن تفعل ما أطلبه إليك وإلا فلن أذهب معك إلى القرية.»
وقال تفتكوف: «إن الرفيق كرافتشنكو محق فيما يقول، فلم تخيف الخيل من غير موجب؟ إن معي أنا أيضا مسدسا، ولكني أخفيه تحت سترتي.»
অজানা পৃষ্ঠা