وضايقني هذا منه أشد المضايقة، وقلت لنفسي: إن هذا الشخص إما أن يكون أبله إلى درجة لا يصدقها العقل، وإما أنه يحاول أن يثيرني لأنطق بما لا يصح النطق به.
فأجبته دون أن أحاول إخفاء غضبي: «أنا آسف، ولكنك كان في وسعك أن تلقي ما تشاء من الأسئلة.» - «هذا صحيح، غير أن الحاضرين كلهم كانوا يصفقون، ولم أجد في نفسي من الجرأة ما ينطقني بأن شيئا مما قاله لم يكن واضحا لي، ولكني أعرفك من المعهد يا رفيق كرافتشنكو وأثق بك، ولو أنني عينت معك في فرقة واحدة لكان في ذلك كل الخير لي.»
وحدقت في عينيه وشعرت فجأة بالخجل يسري في نفسي لسوء ظني به، وبدا لي أن ألمه ألم حقيقي غير متكلف، وكانت نظراته نظرات الغلام الصغير الساذج وإن لم يكن يصغرني إلا ببضع سنين.
فأجبته: «لا مانع لدي من أن تكون معي إذا استطعت أن تنظم أمرك على هذا النحو، وإن كنت أظن أن توزيع الأفراد على الفرق قد بت فيه.»
فقال وهو يبتسم وفي صوته ما يدل على تجدد أمله: «سأحاول، إن اسمي تفتكوف، سرجي ألكسيفتش تفتكوف.»
وتركني، وبعد بضع دقائق دعيت إلى مكتب الرفيق برودسكي، فأبصرت رجلا قوي الجسم، على رأسه كومة من الشعر الأسود، يجلس خلف مكتب كبير.
وخاطبني من فوره قائلا: «أتعرف يا رفيق كرافتشنكو شيئا عن القرى؟» - «لقد عشت في مزرعة تعاونية عدة سنين في أثناء الحرب الأهلية، ثم درست بضعة مناهج في إحدى المدارس الزراعية في عام 1920-1921م.» - «حسن جدا! قل أن تجد من أعضاء هذه الفرق من يعرف الفرق بين القمح والشعير.»
ودق جرسا فأدخل رجلان آخران إلى مكتبه: أحدهما الطالب تفتكوف وقد دخل وهو يبتسم في حياء دليلا على نجاحه في مسعاه، أما ثانيهما فرجل في الأربعين من عمره لا أعرفه.
وقال الرفيق برودسكي: «فليحي كل منكم زميله، ستعملون أنتم الثلاثة معا، وعليكم أن تذهبوا إلى قرية بدجردنوى، وستتولى أنت يا رفيق كرافتشنكو إتمام عملية الدراس، وسيناط بك أيضا إصلاح جميع العدد والآلات، وستتولى أنت يا رفيق تفتكوف بمعاونة الرفيق أرشينوف إتمام أعمال التنظيم الجماعي للمزارع وجمع الحبوب، وستعملان كلاكما برياسة الرفيق أرشينوف هذا، فسيرأس هو الفرقة المؤلفة من ثلاثتكم؛ ذلك أن هذا الرجل ليس من عمال الحزب فحسب، بل إن له فوق ذلك تجارب سابقة في مكتب المدعي العمومي.» - «هذا كل ما أقوله لكم، فاخرجوا إلى الردهة وخذوا أوراق انتدابكم ونقودكم.»
وكان أرشينوف رجلا بدينا قصير القامة حليق الرأس والوجه مبرقشهما كالرخام القديم، لا يفصل جبهته عن رأسه فاصل، وكان وجهه مستويا لا مركز له كأنك تراه في مرآة غير منتظمة السطح، أما عيناه فلم تكونا تزيدان على فتحتين ضيقتين في وجهه المستوي، وجملة القول: إن شكله كله لا يروق الناظر إليه.
অজানা পৃষ্ঠা