...وقال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع : ومن هذا القسم أيضا ما قد عم به الابتلاء من تزيين الشيطان للعامة تخليق بعض الحيطان والعمد . وشرح مواضع مخصوصة من كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدا ممن شهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويظنون أنهم متقربون بذلك ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم وهي بين شجر وحجر وحائط وعين يقولون : إن هذا الشجر وهذا الحجر وهذه العين يقبل النذر أي : العبادة من دون الله تعالى فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له ويتمسحون بذلك النصب ويستلمونه .
...ولقد أنكر السلف التسمح بحجر المقام الذي أمر الله تعالى أن يتخذ منه مصلى كما ذكر الأزرقي في كتاب " مكة " عن قتادة في قوله تعالى { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا أن يمسحوه بل اتفق العلماء على أنه لا يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود وأما الركن اليماني فالصحيح أنه يستلم ولا يقبل .
...وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب فتنة أصحاب القبور وهي أصل فتنة عباد الأصنام كما قال السلف من الصحابة والتابعين فإن الشيطان ينصب لهم قبر رجل معظم يعظمه الناس ثم يجعله وثنا يعبد من دون الله ثم يوحي إلى أوليائه أن من نهى عن عبادته واتخذه عيدا وجعله وثنا فقد تنقصه وهضم حقه فيسعى الجاهلون في قتله وعقوبته ويكفرونه وما ذنبه إلا أنه أمر بما أمر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ونهى عما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
...( وأما الأزلام ) فقال سعيد بن جبير : ( كانت لأهل الجاهلية حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها ) أي طلب بها ما قسم له .
صفحة ٣٩