...فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله تعالى به والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه وأنجع في قضاء حاجته نقله درجة أخرى إلى دعائه نفسه من دون الله والنذر له ثم ينقله بعد ذلك درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثنا يعكف عليه ويوقد عليه القنديل والشمع ويعلق عليه الستور ويبني على المسجد ويعبده بالسجود له والطواف به وتقبيله واستلامه والحج إليه والذبح عنده ثم ينقله درجة أخرى إلى دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدا ومنسكا وأن ذلك أنفع لهم في دنياه وآخرتهم .
...قال ابن القيم نقلا عن شيخه وهذه الأمور المبتدعة عند القبور على مراتب أبعدها عن الشرع : أن يسأل الميت حاجته ويستغيث به فيها ، كما يفعله كثير من الناس وهؤلاء من جنس عباد الأصنام ولهذا يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب في بعض الأزمان كما يتمثل لعباد الأصنام فإنه يدعو من يعظمه فيتمثل له الشيطان ويخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو الشيطان فإنه وإن أعان الإنسان ببعض مقاصده لكنه يضره أضعاف ما ينفعه وكذلك يوجد بعباد القبور عند القبور أحوال يظنون أنها كرامات وهي من الشيطان مثل أن يوضع عند قبر من يظن كرامته مصروع فيرون أن الشيطان قد فارقه فإنه يفعل ليضل .
...ومن عظيم كيده ما نصبه للناس من الأنصاب والأزلام التي هي رجس من عمل الشيطان وقد أمر الله المؤمنين باجتنابه وعلق فلاحهم بذلك الاجتناب فقال : { يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فالأنصاب : جمع نصب بضمتين أو بالفتح والسكون وهو : كل ما نصب وعبد من دون الله من شجر أو حجر أو وثن أو قبر .
...قال مجاهد وقتادة وابن جريج : كان حول البيت أحجار وكان أهل الجاهلية يعظمون تلك الأحجار ويعبدونها ويذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها ، وهي ليست بأصنام ، وإنما الصنم ما يصور وينقش .
صفحة ٣٧