...فالدعاء قد يكون عبادة فيثاب عليه الداعي وقد يكون مسألة تقضى به حاجته ويكون مضرة عليه إما أن يعاقب بما يحصل له أو ينقص به درجته فإنه تعالى يقضي حاجته ويعاقبه على ما جرأ عليه من إضاعة حقوقه وارتكاب حدوده .
...والمقصود أن الشيطان يلطف كيده للإنسان بتحسين الدعاء له عند القبر وجعله أرجح منه في بيته ومسجده وأوقات الأسحار .
...فإذا قرر ذلك عنده نقله درجة أخرى من الدعاء عنده إلى الدعاء بصاحب القبر والإقسام على الله تعالى به وهذا أعظم من الذي قبله فإن شأنه تعالى أعظم من أن يقسم عليه بأحد من خلقه أو يسأل بأحد من خلقه .
...وقد أنكر أئمة الإسلام ذلك فقال أبو الحسن القدوري في [ شرح كتاب الكرخي ] قال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف يقول قال أبو حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله تعالى إلا به قال : وأكره أن يقول أسألك بمعقد العز من عرشك وأكره أن يقول : بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام .
...قال أبو الحسن : أما المسألة بغير الله فمنكرة في قولهم لأنه لا حق لغير الله عليه وإنما الحق لله تعالى على خلقه .
...قال ابن بلدجي في [ شرح المختار ] : ويكره أن يدعو الله تعالى إلا به فلا يقول أسألك بفلان أو بملائكتك أو أنبيائك أو نحو ذلك ، لأنه لا حق للمخلوق على خالقه ، أو يقول في دعائه : أسألك بمعقد العز من عرشك وعن أبي يوسف جوازه لما روي أنه عليه السلام دعا بذلك ، ولأن معقد العز من العرش إنما يراد به القدرة التي خلق الله تعالى بها العرش مع عظمته فكأنه سئل بأوصافه .
...وما قال فيه أبو حنيفة وأصحابه وأصحابه : أكره كذا ، فهو عند محمد حرام وعند أبي حنيفة وأبي يوسف هو إلى الحرام أقرب وجانب التحريم عليه أغلب .
صفحة ٣٦