...وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام واتخذت من دون الله شفعاء وهذا أصل شرك الخلق ومع هذا فو تنقيص لجانب الربوبية وهضم لحقها لأن من اتخذ شفيعا عند الله تعالى إما أن يظن أنه تعالى لا يعلم مراد عباده حتى يعلمه الواسطة أو لا يسمع دعائهم لبعده عنهم فيحتاج أن يرفعه الواسطة إليه أو لا يفعل ما يريده العباد حتى يشفع عنده الواسطة كما يشفع لحاجته إليه وانتفاعه به وتكثره به من القلة وتعزره به من الذلة أو لا يقضي حاجاتهم حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه كما هو حال ملوك الدنيا أو يظن أن للمخلوق حقا فهو يتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك ممن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته إذ هو في الحقيقة شريكهم وإن كان عبدهم ومملوكهم فإن الشفعاء عند المخلوقين من الملوك والسلاطين شركاؤهم لأن انتظام أمرهم وقيام مصالحهم بهم وهم أعوانهم وأنصارهم ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا لها لأنهم إن ردوها ولم يقبلوا يخافون أن ينقضوا طاعتهم ويذهبوا إلى غيرهم فلا يجدون بدا من قبول شفاعتهم على الكره والرضا ، فإن الشفيع في المخلوق مستغن عن المشفوع إليه في أكثر أموره وإن كان محتاجا إليه في بعض ما يناله من رزق وغيره ، كما أن المشفوع إليه فيما يناله من النفع بالنصرة والمعاونة وغير ذلك . فكل منهما محتاج إلى الآخر .
صفحة ٢٤