فعلم من هذا أن الشفاعة لا يمكن حصولها ما لم يوجد مجموع هذين الأمرين وقال الله تعالى { ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله ما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } ...فبين سبحانه وتعالى : أن المتخذين شفعاء مشركون وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذ الشفعاء وإنما تحصل بإذن الله تعالى للشافع ورضاه عن المشفوع له فمن اتخذ شفيعا من دون الله فهو مشرك لا تنفعه شفاعته ولا يشفع فيه ومن اتخذ الرب تعالى وحده إلهه ومعبوده ومحبوبه الذي يتقرب إليه ويطلب رضاه ويجتنب سخطه فهو الذي يأذن الرب تعالى للشافع أن يشفع فيه .
...ولهذا كان أولى الناس بشفاعه سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا توحيدهم وخلصوه ، من تعلقات الشرك وشوائبه وأما أهل الشرك الذين اتخذوا من دون الله شفعاء فإنه تعالى لا يرضى عنهم ولا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيهم وسر ذلك : أن الأمر كله لله وحده ليس لأحد معه من الأمر شيء وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده الرسل والملائكة المقربون وهم مملكون مربوبون ، أفعالهم وأقوالهم مقيدة بأمره وإذنه لا يسبقونه بالقول ولا يفعلون شيئا إلا بإذنه وأمره فإذا أشركهم أحد به تعالى واتخذهم شفعاء من دونه ظنا منه أنه إذا فعل ذلك يتقدمون بين يديه ويشفعون له فهو من أجهل الناس بحقه تعالى وما يجب له وما يمتنع عليه حيث قاسوا الرب تعالى على الملوك والكبراء الذين يتخذون بعضا من خواصهم وأوليائهم من يشفع لهم عندهم في الحوائج والمهمات .
صفحة ٢٣