...فزيارة القبور لأجل الصلاة عندها والطواف بها وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود عليها وأخذ ترابها ودعاء أصحابها والاستعانة بهم ، وسؤالهم النصر والرزق والعافية والولد وقضاء الديون وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وغير ذلك من الحاجات التي كان عباد الأوثان يسألونها من أوثانهم فليس شيء من ذلك مشروعا باتفاق أئمة المسلمين إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين ، بل أصل هذه الزيارة البدعية الشركية مأخوذة من عباد الأصنام .
...فإنهم قالوا : الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله تعالى لا يزال تأتيه الألطاف من الله تعالى وتفيض على روحه الخيرات فإذا علق الزائر روحه به وأدناه من فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرأة الصافية والماء الصافي ونحوهما على الجسم المقابل له .
...ثم قالوا : فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه إلى الميت ويعكف بهمته عليه ويوجه قصده وإقباله إليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه اعظم كان أقرب إلى انتفاعه به وذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سيناء والفارابي وغيرهما وصرح به عباد الكواكب وقالوا : إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها نور ولهذا السر عبدت الكواكب واتخذت لها الهياكل وصنفت لها الدعوات واتخذت لها الأصنام وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها وتعليق الستور عليها وإيقاد السرج عليها وإقامة السدنة لها ودعاء أصحابها والنذر لهم وغير ذلك من المنكرات .
صفحة ٢١