...ومنها : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهة فقال : السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر " . رواه الأمام أحمد والترمذي وحسنه .
...فإنه صلى الله عليه وسلم بين في هذه الأحاديث أن فائدة زيارة القبور إحسان الزائر إلى نفسه وإلى الميت أما أحسانه إلى نفسه فيذكر الموت والآخرة والزهد في الدنيا والأتعاظ والاعتبار بحال الميت وأما إحسانه إلى الميت فبالسلام عليه والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية .
...فينبغي لمن يزور قبر ميت أي ميت كان سواء كان من أولياء الله تعالى أو من غيرهم من المؤمنين : أن يسلم عليه ويسأل له العافية ويستغفر له ويترحم عليه كما تقدم في الأحاديث ثم يعتبر في حال من زاره وما صار إليه حاله وماذا سئل عنه وبماذا أجاب وهل كان قبره روضة من رياض الجنة أو حفرة من النيران ثم يجعل نفسه كأنه مات ودخل في القبر وذهب عنه ماله وأهله وولده معارفه وبقي وحيدا فريدا وهو الآن يسأل فماذا يجيب وما يكون حاله ويكون مشغولا بهذا الاعتبار مادام هناك ويتعلق بمولاه في الخلاص من هذه الأمور الخطيرة العظيمة ويلجأ إليه .
...وأما قراءة القرآن :
فجوزها بعض العلماء ومنعها البعض الآخر وقالوا : الزائر لا بد أن يكون مشغولا بالاعتبار وقراءة القرآن يحتاج إلى التدبر وإحضار الفكر فيما يتلوه ، وفكرتان لا تجتمعان في قلب واحد في زمان واحد .
...فإن قال قائل : أنا أعتبر في وقت واقرأ في وقت آخر والقرآن إذا قريء تنزل الرحمة فلعل أن يلحق بالميت من تلك الرحمة شيء ينفعه .
...فالجواب من وجوه :
...الأول : أن قراءة القرآن وإن كانت عبادة لكن كون الزائر مشغولا بما تقدم من الفكرة والاعتبار في حال الموت وسؤال ملكين وغير ذلك عبادة أيضا والوقت ليس محلا إلا لهذه العبادة فقط فلا يخرج من عبادة إلى أخرى سيما لأجل الغير .
صفحة ١٩