============================================================
إن ما أشار إليه الباحثون من احتواء أعمال القاضي عبد الجبار الرازي على "زبدة ما ذهب إليه كبار المعتزلة من واصل حتى الجبائيين"(1) إنما يرجع إلى كون القاضي عبد الجبار قد أراد إخفاء التناقضات السابقة بين زعماء المذاهب، والتوصل إلى ل"صيغة معيارية" من "الاعتزال" .
الكرماني واليفة المعيارية للإسماعيلةة ال لعل الداعية الإسماعيلي الكرماني قام بهذه المهمة في القرن الرابع أيضا، وقدا عومل باستمرار بوصفه المصدر الرئيس لتمثيل الصيغة النهائية من الإسماعيلية، لأن ال الإسماعيلية تبدو في أعماله مذهبا مكتملا ، تختفي فيه التناقضات السابقة. ولكن نبغي أن نضع في اعتبارنا أن الكرماني لا يصلح أن يكون مصدرا تاريخيا موثوقا لأن مشروعه الفكري في داخل بناء الإسماعيلية يتطلب منه التضحية بالبعد التاريخي. فقد وجد الكرماني نفسه بإزاء تيارات متنوعة ومتعارضة من الإسماعيلية السابقة عليه، يعمل كل واحد منها في سياقه الخاص لتأسيس صيغته المختلفة من الإسماعيلية. فمن ناحية، هناك حلقة النسفي وأتباعه ، الذين اعتمدوا الصيغة الأفلاطونية المحدثة وكرسوها في بناء المنظومة الميتافيزيقية الإسماعيلية ، وهناك التيارات القرمطية التقليدية التي حافظت على فكرة "الحقب النبوية المتتابعة"، مع استبعاد المنظومة الميتافيزيقية الأفلاطونية المحدثة، وهناك أيضا المنظومة ال الإسماعيلية المغربية القائمة على فكرة التأويل السردي، وهي المنظومة التي تبنتها الدولة الفاطمية في مصر، ثم هناك الدعوات المهدوية المختلفة لدى الإسماعيلية في الشام واليمن.
من هنا كان مشروع الكرماني أن يوفق بين تنوع هذه المذاهب الإسماعيلية المتعددة، ويردم فجوات تناقضاتها ، بما يضمن تحويلها إلى "منظومة معيارية" واحدة . وهكذا أخذ المنظومة الميتافيزيقية عند أتباع حلقة النسفي، وحاول التوفيق بينها وبين المنظومة الإسماعيلية المغربية القائمة على التأويل السردي . ولهذا كان (1) د. عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ص 394 .
صفحة ٣٣