============================================================
جوهر مشروع الكرماني أن يصهر تعدد المذاهب الإسماعيلية السابقة في منظومة واحدة ، تشكل ما يمكن تسميته بالصيغة المعيارية للاسماعيلية. قبل الكرماني الاا كانت هناك عدة مذاهب إسماعيلية تعتمد آليات فكرية متعارضة، تصل تعارضاتها أحيانا إلى درجة التناقض، ولا يجمعها جامع منهجي سوى الإيمان العام بفكرة إمامة "محمد بن إسماعيل" ، وهذا ما لاحظه البستي في نقده لهذه المذاهب. أما بعده، فصارت جميع هذه المذاهب الإسماعيلية تسهم مساهمة فعالة في تكوين الصيغة المعيارية" من الإسماعيلية، وتجد نفسها فيها . ويمكن القول إن جميع أعمال الكرماني كانت تهدف إلى تثبيت هذه الصيغة المعيارية . كتاب "الرياض"، على سبيل المثال، كان يهدف إلى ردم التناقضات بين مدرسة النسفي وآراء أبي حاتم الرازي، وكتاب "الرسالة الوضيئة" يهدف إلى تخليص الإسماعيلية من آثار دعوة علي بن الفضل، التي أساءت كثيرا إلى سمعة الإسماعيلية . وفي كتابه "راحة ال العقل" جعل الكرماني جميع ما أنتجته المذاهب الإسماعيلية قبله تمهيدا لقراءة اراحة العقل" نفسه.
وقد نجح مشروع الكرماني نجاحا مذهلا في صياغة لنسخة معيارية" من ال العقيدة الإسماعيلية . لكن لهذا النجاح ثمنه التاريخي، لأن الكرماني لم يتوصل الى هذه الصيغة المعيارية إلا بإخفاء العيوب والتناقضات الملازمة لتعدد المذاهب قبله. ومن هنا فأعماله لا تصلح لرصد الخلافات المنهجية لدى هذه المذاهب لأن مشروعه قائم في الأساس على طمس تاريخية هذه الخلافات وإبراز المظاهر التوفيقية بينها.
الفي وتأسيس الميتافيزية) الإسماعيلية دل النصوص المنقولة عن الحركات الشيعية الأولى أنها لم تكن تعتمد على اي تأويل فلسفي، بل كانت تتوارث فكرة التأويل السردي للحقب النبوية المتتابعة .
ويبدو أن "القرامطة" الأوائل كانوا قد اعتنقوا فكرة الحقب النبوية المتتابعة، بعدا صهرها في قالب إسلامي مناسب تحت عنوان "أولي العزم" . يقول مؤرخو الفرق الأولى : "وأولو العزم عندهم سبعة؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي
صفحة ٣٤