============================================================
(2) أبو حاتم الرازي والإسماعيلية تأثرت دراسات أوائل مؤرخي الإسماعيلية بالنزعة الإطلاقية التي سادت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حين كان ينظر إلى المذاهب والآراء بوصفها نتاج "روح مطلقة" ، تولد مكتملة، وتعبر عن سمات ثابتة لا تتغير.
فلم تكن المذاهب نتاج مراحل تاريخية متعددة عبر الزمن، في محاولة للتكيف مع ال الظروف التي تتفاعل معها، بل تولد الأفكار كاملة، بحيث تكون آراء أول القائلين بها مطابقة لآراء آخر القائلين . وقد توارث الباحثون في الإسماعيلية هذه النزعة ال الإطلاقية، التي ترى فيها كيانا غير قابل للتطور التاريخي وعلى النقيض من هذه النزعة الإطلاقية، فإننا سنحاول تناول الإسماعيلية لا من حيث الثوابت المطلقة، بل من حيث المتغيرات التاريخية، وتلمس نقاط ال الخلاف والتغير التي طرأت على المذهب عبر الحقب التاريخية المتعاقبة .ا والواقع أن أي دارس للفكر الإسلامي بعامة، على تعدد مذاهبه وآرائها الكلامية والفلسفية، لا بد أن ينتبه إلى سمة تميز جميع الحركات الفلسفية والكلامية فيه بدءا من القرن الرابع الهجري، ألا وهي ما يمكن لنا أن نسميه برغبة ككل مذهب في التوصل إلى "صيغة معيارية" من المذهب. ففي القرن الرابع الهجري صارت المذاهب الكلامية الإسلامية تتسع وتتداخل وتشتبك مع بعضها ما تطلب من كبار زعماء كل مدرسة ومذهب أن يعيدوا النظر فيها، لأن اتساع المذاهب جعل مفكري المذهب الواحد يختلفون فيما بينهم من جهة، في حين طلب اشتباكها التوصل إلى نسخة واحدة أكثر تماسكا وصلابة لمقاومة المذاهب الأخرى. وهكذا كان على زعماء المذاهب أن يعيدوا صياغتها ليوفقوا بين التناقضات الداخلية في أفكار زعماء المذهب الواحد من ناحية، وإنتاج صيغة موخدة متماسكة تستطيع مواجهة المذاهب الأخرى من ناحية ثانية. ويمكن القول
صفحة ٣٢