وقال أبو هاشم: يجب أن يبقيه وقتا يعرف الله تعالى فيه بتوحيده، وعدله، وحكمته، ووعده ووعيده، وأحتج لذلك بأن قال: إن معرفة الله تعالى إنما وجبت لكونها لطفا، وهي لا تكون لطفا إلا إذا انضمت إلى العلم باستحقاق الثواب والعقاب؛ لأنه الذي يثبت له خط الدعاء والصرف.
وقال قاضي القضاة: الصحيح ما ذكره أبو هاشم، لكن لابد مع ذلك من أن يبقيه وقتا يتمكن فيه من فعل الطاعة أو ترك معصية، وأحتج لذلك بأن قال: إن معرفة الله تعالى وجبت لكونها لطفا، وهو لا يجوز أن يكلف اللطف ولا يكلف الملطوف فيه، وهو أن يفعل واجبا أو يترك قبيحا، أو يتمكن من ذلك.
وأما ما استقر عليه المتكلف الآن فلاخلاف بينهم في هذه المسألة وهي عشر في التوحيد، وعشر في العدل، وعشر في الوعد والوعيد، وإن أختلفوا في الترتيب، فقسمها الشيخ في الواسطة إلى ثلاثة أبواب [18ب]، وقسمها في الخلاصة إلى أربعة، وقسمها قاضي القضاة في الشرح إلى خمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقسمها في المعنى إلى أصلين: التوحيد، والعدل، وقسمها قاضي القضاة في (مختصر الحسني) إلى أربعة: التوحيد والعدل، والوعد والوعيد، والثوابت والشرائع.
وإذا أردنا الكلام في أبواب الكتاب، وهي الأبواب التي ذكرها الشيخ (رحمه الله) فالكلام منها يقع في ثلاثة مواضع:
الأول: في تعدادها وتعيينها.
والثاني: في ترتيبها.
والثالث: في الكلام على كل واحد منها.
أما الموضع الأول: وعهو في أعدادها وتعيناتها، فتعدادها أربعة.
وأما تعييناتها: فهي النظر والتوحيد، والعدل، والوعد والوعيد.
وأما المو ضع الثاني وهو في ترتيبها: فترتيبها على ما ذكره الشيخ (رحمه الله) فتقدم النظر على جميعها؛ لأنه الطريق إليها، ومن حق طريق الشيء أن يتقدمه، لأنه لا يحصل إلا بها فوجب تقديمه، وقدم التوحيد على العدل لوجهين:
صفحة ٣٢