وقلنا: الذي لا يعلم صحته ولا فسادها إلا بدليل احتراز مما يعلم صحته وفساده بغير دليل، مثل من يقول السماء فوقه والأرض تحته فإنه يعلم صحته بغير دليل، احتراز مما يعلم صحته وفساده بغير دليل مثل من يقول الأرض فوقه والسماء تحته فإنه يعلم فساده بغير دليل.
فإن قيل: سميتم ما يقوله السوفسطانية مذهبا، وهو [15ب] يعلم فساده ضرورة.
قلنا: إنه ليس بمذهب، وإنما هو تجوز لما سلكوه. وإن شئت قلت: هو الخبر أو القضية الذي لا يعلم صحته ولا فساده إلا بدليل، وإن لم يكن ثم خصم منازع احترازا من الدعوى فإنها لا تكون دعوى إلا إذا كان ثم خصم منازع؛ لأن كل دعوى مذهب، وليس كل مذهب دعوى، فكان المذهب أعم من الدعوى، ومثال المذهب قول القائل: للعالم صانع فإن هذا مذهب، وأما الدليل فإنه يستعمل في أصل اللغة، وفي عرف اللغة، وفي اصطلاح المتكلمين.
أما في أصل اللغة فهو المتقدم للقوم ليعرفهم الطريق، ومنه قول الشاعر:
إ ذا ما الدليل اشتاف أكناف الطرق
والاشتياف هو الإستئمام؛ لأنه يؤخذ من الأرض التي يمضي فيها شيئا من التراب ويسم فإن أدرك أرايح أنوال الإبل أو الغنم، وإلا عرف أنهم قد أحازوا عن الطريق وعدلوا عنها.
وأما في العرف: فهو الفاعل للدلالة إذا أكثر فعلها؛ لأنه يسمى الرجل باسم فعله إذا أكثر منه.
كما يقال رجل صوم ورضي وعدل إذا أكثر من ذلك، ويقال لله تعالى يا دليل المتحيرين لما أكثر من فعل الدلالة ، ألا إلى قوله تعالى: {إنه عمل غير صالح} فسمي العامل باسم عمله على سبيل المبالغة.
والدليل والدلالة معناهما واحد في الاصطلاح، وهو إذا ما نظر الناظر فيه على الوجه الصحيح أو أصله إلى العلم بالغير[16ب].
قلنا: ما إذا نظر الناظر فيه جنس الحد، وقلنا على الوجه الصحيح احتراز ممن ينظر على الوجه الفاسد؛ لأن شروط توليد النظر للعلم ثلاثة:
أحدها: أن يكون عاقلا.
وثانيها: أن يكون عالما بالدليل الذي ينظزر فيه.
صفحة ٢٨