الو جه الثالث: أن الشيء يشرف بحسب حساسة ضده ألا ترى أن الصدق يشرف بشرف حساسة ضده وهو الكذب كذلك العلم يشرف بحساسة ضده وهوالجهل، وأخس الجهل هو الجهل بالله تعالى؛ لأن الجهل به يؤدي إلى الكفر والكفر أخس الأشياء، فشرف التوحيد لما كان ضده أخس الأضداد.
الوجه الرابع: أن سائر العلوم يجوز عليها النسخ والتغيير، وتختلف بحسب اختلاف شرائع الأنبياء وتغاير الأزمنة ما خلا علم الأصول فإنه لا ينسخ ولا يتغير بل هو عقيدة كل نبي.
الوجه الخامس: أن العلم بالشيء يشرف بحسب عظم الخطر في الجهل به، والخطر في الجهل بالأصول قد يكون كفرا، وقد يكون فسقا بخلاف غيره من العلوم، فإن الخطأ فيه لا يبلغ هذه الحال، ألا ترى كل مجتهد [11ب] في علم الفقه مصيب ولا يكون مخطئا إذا وفى الاجتهاد حقه عند الجمهور، ومن ذهب إلى أن المصيب واحد قال إن الخطأ معفو.
وأما السمع: فالكتاب والسنة والإجماع المخلصين من سائر الفرق.
أما الكتاب: فآيات منها قوله تعالى :{شهد الله أنه لا إله إلا هو وأولوا العلم} فبدأ بنفسه وثلث بأولي العلم، ولأهل الأصول شرف هذه الآية وفضلها وهي المدارون بها؛ لأن الشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين والعلم به لا يحصل إلا بالتوحيد لأنهم لا يعلمونه إلا به.
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((على مثلها فاشهد وإلا فدع -وأشارالى الشمس-)) ولن يحصل العلم، النص إلا لعلماء الأصول ولا يعني بعلم بعلم الأصول إلا هذا وهو العلم بالله تعالى وحدانيته... وعدله وحكمته، ومنها قوله [ ]: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وإنما موضوعة للحصر فكأنه قال: لا يخشى الله إلا العلماء به، ولا تحصل معرفته ولا العلم به إلا بالتوحيد.
صفحة ٢١