الوجه الثاني: قال الغزالي: إنه إنما سمي علم الكلام لأنه العلم الكلي لأن المتكلم يقول الشيء لا يخلو إما أن يكون موجودا أو معدوما، والموجود إما أن يكون قديما أو محدثا، والمحدث إما جسم وإما عرض فعم جميع الأشياء.
ووجه ثالث: وهو أنه سمى بذلك اصطلاحا كتسمية النحو والفقه، وإن كان كل علم منحو، وكذلك كل علم فإنه يحتاج إلى الفقه الذي هو الفهم، وسمي علم أصول الدين؛ لأن مبنى جميع العلوم الدينية عليه ومرجعها إليه، وسمي علم التوحيد والعدل لأنه كلام في إثبات الصانع وصفاته وعدله وحكمته وما به يجوز عليه وما لا يجوز، ومعرفة أنبيائه وصدقهم فيما جاءوا به، فهو مشتمل على توحيد الله وعدله.
وقوله الذي يعرف به الصحيح من السقيم والمعوج من المستقيم فهو رأس العلوم وأولاها بالإيثار والتقديم.
والذي يدل على أنه أفضل العلوم وأولاها: العقل والسمع.
أما العقل: فوجوه:
أحدها: أن العلم يشرف بشرف معلومه، وأجل العلومات تحقيق سنا هو الله تعالى الحي القيوم فيجب أن تكون المعرفة به أجل العلوم فإذا كان كذلك وجب على كل عاقل أن يشغل قلبه في طلبه [11ب] ليفوز يوم القيامة بسببه، ولله القائل:
وإذا علمت بأنه متفاضل ... فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل
ولأن العلوم إنما تشرف بشرف معلوماتها، فشرف الفقه بشرف معرفة الحلال والحرام، والفرائض شرفه بمعرفة المواريث، والنحو شرفه بمعرفة الكتاب والسنة، وليس معلوم التوحيد إلا الله تعالى فيجب أن يكون أشرفها.
الوجه الثاني: أن العلوم تحتاج إليه وليس هو محتاج إليها.
أما الفقه: فأدلته الكتاب والسنة، وكذلك الفرائض، والكتاب والسنة لا يكونان دليلين إلا بعد معرفة الصانع وصفاته، ومعرفته لا تحصل إلا بالتوحيد وكذلك النحو واللغة إذا قصد بهما معرفة الكتاب والسنة وليس ذلك إلا بعد بمعرفة الصانع.
صفحة ٢٠