هذا ما نقله المؤرخون عن ابن النجار، والذي رأيته في نسخته: فلما نزلوا وجدوا هرا قد هبط ومات وجاف فأخرجوه وكان في الحايز بين الحجرة والمسجد، أي الفضاء الذي أدخل من بين الحجرة والحايز، ثم قال: ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد إلى هنالك، فاعلم ذلك انتهى كلام ابن النجار.
وذلك كان قبله حرق المسجد لما تقدم من أن الحريق كان في سنة أربع وخمسين وستمائة ولم يدرك ذلك ابن النجار لأن وفاته كانت قبل ذلك في شهر شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة فلذلك لم يتعرض له في تاريخه.
ووكد الأقشهري في كتابه (الروضة الفردوسية) ومن خطه نقلت ما لفظه: أخبرنا الشيخ الراوية أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الشاطبي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله القضاعي الحافظ قال: حدثنا صاحبنا الرحالة أبو عمر أحمد بن محمد هرون بن عاث النفري قال: حدثت بالمدينة المشرفة أو قال: بمدينة السلام بأنهم سمعوا منذ سنين قريبا من الأربعين هدة في الروضة الشريفة فكتب في ذلك إلى الخليفة فاستشار الفقهاء فأفتوا أن يدخلها رجل فاضل من القومة على المسجد فاختاروا لذلك بدر الضعيف وهو شيخ فاضل يقوم الليل ويصوم النهار وهو من فتيان بني العباس فدلي حتى دخل الروضة أي الحجرة الشريفة، فوجد الحائط الغربي قد سقط، وهو حائط دون الحائط الظاهر فصنع له لبن من تراب المسجد فبناه وأعاده على هيئته كما كان ووجد هناك كعبا من خشب قد أصابه وقوع الحائط فكسره فحمل إلى بغداد مع شيء من تراب الحائط، وكان يوم وصوله ذلك بغداد يوما مشهودا تجمع لاستقباله الناس وازدحموا على رؤيته وعطلت الصناعات والبيع وكان رحلة ابن عاث سنة ثلاث عشرة وستماية وقد قال: قريبا من أربعين سنة، فيكون ذلك سنة سبع وخمسمائة أو ما دون ذلك، هكذا ذكره في رحلته ومنها نقلته، انتهى كلام الأقشهري، وهو كالنص الصريح فيما نحن بصدده غير أني لم أجد في كلام غيره وهو يقتضي وقوع النزول للحجرة الشريفة بعد ما ذكره ابن النجار إلى زمنهم.
وقال العلامة زين الدين المراغي وغيره من متأخري مؤرخي المدينة: أنه لم يقع نزول أحد هناك بعد ما ذكره ابن النجار.
صفحة ١١٥