مواقف النبي ﷺ في الدعوة إلى الله تعالى
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
بالحكمة (١).
وحينما بال في المسجد أمر النبي ﷺ بتركه؛ لأنه قد شرع في المفسدة، فلو منع ذلك لزادت المفسدة، وقد حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منعه ﷺ بعد ذلك لدار بين أمرين:
١ - إما أن يقطع عليه بوله فيتضرر الأعرابي بحبس البول بعد خروجه.
٢ - وإما أن يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه، أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد.
فأمر النبي ﷺ بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهي دفع المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (٢).
وهذا من أعظم الحكم العالية، فقد راعى النبي ﷺ هذه المصالح، وما يقابلها من المفاسد، ورسم ﷺ لأمته والدعاة من بعده كيفية الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، ولا سبٍّ ولا إيذاء ولا تشديد، إذا لم يكن ذلك منه عنادًا ولا استخفافًا، وقد كان لهذا الاستئلاف والرحمة والرفق الأثر الكبير في حياة هذا الأعرابي وغيره، فقد قال بعد أن فقه - كما تقدم - وفي رواية
_________
(١) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١٠/ ٤٣٩.
(٢) انظر: فتح الباري، شرح صحيح البخاري، ١/ ٣٢٥، وشرح النووي على مسلم، ٣/ ١٩١.
1 / 71