النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
البخاري ترجمته ووضعه في كتاب الجهاد. فإذا كان على ظاهره فليس المراد منه الترغيب في الصوم في وقت الاشتغال بالجهاد، ولكن المراد منه أن من لم تصده مشقة الجهاد عن التطوع بالصوم، لاسيما إذا كان له عادة في صوم أيام معينة، فهو قد حمله الاحتساب لله على تحمل مشقتين، فأعطي ثوابًا جزيلًا حاصلًا من كلتا المشقتين، لكمال إيمانه واحتسابه، وذلك إذا لم يجر إليه نقصًا من أعمال الجهاد.
ويحتمل أن يكون المراد الصائم الذي قصد من صومه التفرغ للجهاد، والعون عليه بقلة الحاجة إلى الطعام، وطرح كلفة الغذاء ليكون نهاره كله شغلًا بإعداد عدد الجهاد.
فهو على هذين الاحتمالين لا يعارض الآثار التي فيها الأمر بالفطر في الجهاد مثل قوله ﷺ: «تَقَوَّوْا لعِدوِّكم ....».
ويجوز أن يكون المراد: «في سبيل الله» أي: لوجه الله، واحتسابًا له، فهو وزان قوله ﷺ[٣: ٣٣، ١١]: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». وهذا احتمال ضعيف ذكرناه؛ لأنه جار مجرى التأويل.
* * *
باب من استعان بالضعفاء والصالحين
فيه حديث مُصْعَبْ بْنِ سَعْدِ بنِ أبي وقاص [٤: ٤٤، ١٣]: (قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ؟»).
الاستفهام هنا في معنى النفي كما يدل عليه الاستثناء، فالصيغة صيغة حصر، وهو حصر ادعائي مقصود به المبالغة في الإخبار عن عناية الله تعالى بالضعفاء من المسلمين ليعلم الناس أن للضعفاء الحظ الأوفر في تيسير الله النصر والرزق لسائر الأمة.
والمراد بالضعفاء المتصفون بالضعف، وهو ضد القوة التي هي في الأصل المقدرة البدنية، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾. [الروم: ٥٤]
وقد وقع التوسع فيها في الشائع من الاستعمال، فصارت القوة بمعنى كل ما يستطيع به المرء دفع الضرر والأذى عن نفسه ببدنه أو عشيرته أو ماله أو جاهه. فإن كل ذلك مما يصرف الناس عن أذاه، وبضد ذلك الضعف، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ﴾ [القصص: ٥]، وقال: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾، [النساء: ٧٥] وقال: ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾، [الأنفال: ٦٦]
1 / 89