النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
باب هل يخرج الميت من القبر
فيه حديث سفيان عن جابر [٢: ١١٦، ٨]:
(أتى رسول الله ﷺ عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه، فالله اعلم).
قوله: «فالله أعلم» من كلام سفيان بن عيينة، وهو كلام مؤذن بالتوقف في وجه ما صنع رسول الله ﷺ بعبد الله بن أبي بن سلول، وقد ذكر سفيان عقبه أنهم كانوا يرون أن رسول الله ﷺ ألبس عبد الله بن أبي قميصه، مكافأة له، إذا كان كسا عباسًا قميصًا لما أسر في بد ولم يجدوا له قميصًا، لأي لأن الأسير يجرد من ثيابه، بأخذها من أسره، أو لأنه تمزق قميصه في مصارعة الأسر. وهذا تأويل بعيد.
والحق عندي: أن عبد الله بن عبد الله سأل النبي ﷺ أن يكسوا أباه ثوبه، وأن ينفث فيه من ريقه، رجاء نفعه بذلك في الآخرة وقد علم رسول الله ﷺ قصده، وأجابه إليه. فلا يستقيم تأويله بقصد جزاء دنيوي، لاسيما وعبد الله بن أبي قد كان مكفنًا مكسوًا غير محتاج إلى جزاء.
فالوجه أن رسول الله ﷺ فعل ذلك كعادته في رحمته، فإن عبد الله بن أبي قد قال كلمة الإسلام، وأظهر الإسلام، وانتفع المسلمون بإسلامه، ولو في الظاهر؛ لأنه كان سيدًا في قومه، فلم يعدم المسلمون من إسلامه فوائد، ما كانت تحصل لو كان مجاهرًا بكفره معاندًا للمسلمين، كما قيل: «لقد أجلك من أرضاك ظاهره».
فرجا رسول الله ﷺ بذلك أن يخفف عنه من العذاب عساه أن يكون التخفيف ما دام ثوب الرسول ﷺ عليه لم يبل، كما ورد في وضع الجريدتين على القبرين اللذين يعذب صاحباهما، أو عساه أن يستحق به تخفيف العذاب في الآخرة بعض الساعات أو في مراتب الدركات السفلى كما ورد في تخفيف العذاب عن أبي لهب على عتقه الأمة التي بشرته بمولد رسول الله ﷺ.
فأما المنفي في قوله تعالى: ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فذلك الغفران الأتم، وهذا وجه تأويل هذا الحديث.
وقد مر بعض من هذا المعنى في «باب الكفن في القميص».
* * *
1 / 34