قد اختلف في اسمه هل هو عامر أو مهدي أو الأقرع أو معاذًا وقيس ابنه أو ابن الملوح أو البحتري بن الجعد، والصحيح الأول لإشارة عارف الوقت في البيت السابق وفي نسبه عامري أو كلابي أو جعدي أو قشيري أو المجانين متعددة أو هما اثنان في بني عامر أو لم يكن أحد وإنما امرؤ تعشق واستكبر عن أن يصرح باسمه واسم محبوبته فموه بالمجنون وليلى والصحيح أنه من بني عامر وهو عامر بن ملوح بن مزاحم يتصل نسبه عند صاحب الأغاني إلى كعب بن ربيعة بن صعصعة كان مديد القامة جعد الشعر أبيض اللون ولم ينله الهزال والجنون وتغير اللون إلا من العشق، وصاحبته هي ليلى بنت مهدي بن سعد تتصل بنسبه في كعب بن ربيعة وكنيتها أم مالك وهذا أخذ من قوله ذلك في شعره كثيرًا نحو قوله:
تكاد بلاد الله يا أم مالك ... بما رحبت يومًا عليّ تضيق
وهذا كاستدلالهم بأن اسم أبيه ملوح بن مزاحم وأنه مات قبل اختلاط عقله فعقر عليه ناقة بقوله:
عقرت على قبر الملوّح ناقتي ... بذي السرح لما أن جفاه أقاربه
وقلت له كوني عقيرًا فإنني ... غداة غد ماش وبالأمس راكبه
فلا يبعدنك الله يا ابن مزاحم ... فكل امرىء للموت لا بد شاربه
وروى باسقاط هاء السكت وحذف البيت الأخير وذكروا أن سبب عشقه لليلى أنه مر يومًا على ناقة له وعليه حلتان من حلل الملوك بامرأة من قومه وعندها نسوة يتحدثن فأعجبهن فاستنزلنه للمنادمة فنزل وعقر لهن ناقته وأقام معهن بياض اليوم فأقبل فتى اسمه منازل يسوق غنمًا فانصرفن إليه وتركن المجنون فقام مغضبًا وأنشد:
أأعقر من جرّا كرائم ناقتي ... ووصلي مقرون بوصل منازل
إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت اخفوا صوت تلك الخلاخل
فقوله من جرا وكرائم يعني من أجلها وكرائم اسم المرأة التي كن عندها وروى ووصلى مفضول أي دون وصل منازل وهو أليق بالمقام وفي النزهة:
إذا جاء قعقعن الحليّ ولم يكن ... إذا جئت بل أخفين صوت الخلاخل
يقول قد أظهرن صوت الحلي حين جاء منازل وهذه كناية عن قيامهن له ولم يكن ذلك عند مجيئي وهذا هو اللائق ولم يؤخذ من البيت السابق وقيل تداعيا المناضلة أو الصراع فقال له المجنون قم إلى حيث يرينك ولا تراهن فافعل ما تقول وأنشد في ذلك:
إذا ما انتضلنا في الخلاء نضلته ... وأن يرم رشقًا عندها فهو ناضلي
فعلى هذا يكون ضمير عندها عائدًا على النسوة وهذا دليل على شدة استحيائه فإنه يقول له ما دمت تنظر إليهن فإنك تشجع فتغلبني وهذا على حد قوله:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي ... فأنت بمرأى من سعاد وسمع
يقول جدي في السجع فإن سعاد تنظرك وتسمعك قلت هذا ما نقل في الأصل عن ابن الكلبي ولا دليل فيه على تعلقه بليلى، وإنما الدليل فيما رواه صاحب نزهة المشتاق قال لما دعته النسوة إلى النزول نزل وجعل يحادثهن ويقلب طرفه حتى وقعت عينه على ليلى فلم يصرف عنها طرفًا وشاغلته، فلم يشتغل ثم قال لها هل عندكن ما تأكلن قالت لا، فعمد إلى الناقة فنحرها وقطعها وجاءته لتمسك معه اللحم فجعل يحز بالمدية في كفه وهو شخص فيها حتى أعرق كفه فجذبتها من يده ولم يدر، ثم قال لها ألا تأكلين الشواء قالت نعم فطرح من اللحم شيأ على الغضى وأقبل يحادثها، فقالت له أنظر إلى اللحم هل استوى أم لا فمد يده إلى الجمر وجعل يقلب بها اللحم فاحترقت ولم يشعر فلما علمت ما داخله صرفته عن ذلك ثم شدت يده بهدب قناعها ثم ذهب وقد تحكم عشقها من قلبه وقيل أنها بعد هذا المجلس استدعته للمحادثة وقد داخلها الحب فقالت له هل لك في محادثة من لا يصرفه عنك صارف فقال ومن لي بذلك ثم تزل وعقر ناقه كما مر وأنها كانت مغرمه بأحاديث الناس والأشعار وكان هو أروى الناس لذلك فكانت تستدعيه لتسمع منه وكان يجيبها إلى ذلك فتداخلت بينهما المحبة وفي نديم المسامرة أنهما انتشئا صغيرين يرعيان الغنم بدليل قوله:
تعلقت ليلى وهي ذات تمائم ... ولم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى إليهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
1 / 44