لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ... من الناس ما اختيرت إليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ... وللبين غمّ ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به ... جوى حرق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرم فييأس طامع
نهاري نهار الوالهين صبابة ... وليلى تنبو فيه عني المضاجع
قد كنت قبل اليوم خلوا وإنما ... تقسم بين الهالكين المصارع
وهذان البيتان في غير رواية أبي علي:
ولولا رجاء القلب أن يعطف النوى ... لما حملته بينهنّ الأضالع
له وجبات أثر لبنى كأنها ... شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا بدى ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهم جامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية ... فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين للفتى ... شحوب وتبري من يديه الأشاجع
وما كل ما منيت نفسك خاليًا ... تلاقي ولا كل الذي أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة ... فحن كما حن الطيور السواجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة ... ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الناس قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع ... وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال عليّ الدهر من كل جانب ... ودامت ولم تقلع على الفجائع
فمن كان محروقًا غدا لفراقنا ... مذ الآن فليك لما هو واقع
وقد انتهت أخباره كما وجدت وكأني بغبي يعترض على نقلي له من مراتب من حظي بالتلاق إلى مراتب من مات دونه من العشاق ولم يدر أن الحينيات توجب بالتأمل الصائب والفهم الذكي الثاقب ما لم يدركه الغافل الغبي أما تقدم هذه الأربعة فقد علم. وأما ذكر هذا هنا فقد قال في النزهة والبدور المسافرة وطوالع الأزهار وغالب شراح ديوان الاستاذ ومن بحث عن أحوال العشاق أنه رأس أهل الهوى ولكن وقوعه في فرقة المحبوب وقعة في هذه المرتبة وقال المتكلمون على الديوان المذكور إن سلطان العشاق واستاذ العارفين على الاطلاق قد أشار إلى تفضيله على الكل حيث شبه غرامه بغرامه وحسن لبنى ببهجة الحضرة الممدوحة حيث قال:
بفرط غرامي ذكر قيس بوجده ... وبهجتها لبنى أمت وأمت
لا يقال قد أفرد غيره بالذكر أيضًا الآن أساليب دقائق كلامه وأفانين مطاوي نظامه تجلى عن أن تنال الأبشق الأنفس والله يؤتي فضله من يشاء فإن قوله: فإن كنت ليلى أن قلبي عامر. ونحوه ليس تمويهًا بعظم الشأن كما في البيت السابق اه. قلت وقد يقال لا تفضيل القيس في البيت على غيره فيجاب بأن قوله ﵁:
بها قيس لبنى هام بل كل عاشق ... كمجنون ليلى أو كثير عزة
صريح في جعله في مقابلة الجموع حيث ذكرهم بالحرف الدال على الانتقال عن الأرفع ومثل بالأمثل وذلك يقتضي التفضيل على الجميع وحكمة ذلك والله أعلم كونه قد عرف لذة الوصل والتلاق ثم رمي بغصة البعد والفراق وذلك عند العقلاء أبلغ وأعظم وأرفع في مقاسات الغرام وأفخم وفيه تلميح بما ذكر في التفضيل بين البشر والملائكة.
أخبار المجنون وصاحبته ليلى
1 / 43