جزتك الجوازي يا بثين سلامة ... إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت له بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاق له وعهود
وقد كان حبيبكم طريفًا وتالدًا ... وما الحب إلا طارف وتليد
وإنّ عروض الوصل بيني وبينها ... وإن سهلته بالمنى لصعود
فأفنيت عيشي بانتظار نوالها ... وأبلت بذاك الدهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها ... يدوف لهم سما طمائم سود
وليتهم في كل ممسى وشارق ... تضاعف أكبال لهم وقيود
ويحسب نسوان من الجهل أنني ... إذا جئت إياهنّ كنت أريد
فأقسم طرفي بينهنّ فيستوي ... وفي الصدر بون بينهنّ بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى إني إذًا لسعيد
وهل أهبطن أرضًا تظل رياحها ... لها بالثنايا الثاويات وئيد
وهل القين سعدي من الدهر مرة ... وما من حبل الوصال حديد
فقد تلتقي الأهواء من بعد يأسها ... وقد تطلب الحاجات وهي بعيد
وهل ازجرن حرفًا علاة شملة ... بخرق تباريها سواهم قود
على ظهر سرحوب كأن نسوره ... إذا حار هلاك الطريق رقود
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب ... وصدر حكى لون اللجين وجيد
تزيف كما زافت إلى سلفاتها ... مباهية طيّ الوشاح ميود
إذا جئتها يومًا من الدهر زائرًا ... تعرّض منقوص اليدين صدود
يصد ويغضي عن هواي ويجتني ... ذنوبًا علينا إنه لعنود
فاصرمها خوفًا كأني مجانب ... ويغفل عنا مرّة فنعود
فمن يعط في الدنيا قرينًا كمثلها ... فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غيرهنّ أريد
لكل حديت بينهنّ بشاشة ... وكل قتيل بينهنّ شهيد
إذ فكرت قالت أدركت ودّه ... وما ضرّني بخلي ففيم أجود
ومن كان في حبي بثينة يمتري ... فبقاء ذي ضال عليّ شهيد
ألم تعلمي يا أم ذا الودع إنني ... أضاحك ذكراكم وأنت صلود
ومما كان يلهج بهذه القصيدة لرصانتها ولطفها معبد وكان من أشهر الناس بالدخول وضرب العود والغناء والغريض، وكان أعظم منه حكى عنه في الأغاني إن الجن افتتنت به فأخرجوه إلى مكة فأقام بها لا يفتح بابه وإن معبدًا أراد الاجتماع فقصده وأقام يطرق الباب فلم يجب فهجس له أنه لا يخرجه إلا الغناء فأنشد علقت الهوى منها وليدًا البيت فلم يشعر إلا وقد فتح الباب وأذن له فدخل عليه فتحادثا وأنشده: وما أنس ما الأشياء لا أنس قولها إلى خمسة أبيات ثم قال إنما غنيتك ذلك لأني علمت أنك تريد أن أغنيك:
وما أنس ما الأشياء لا أنس شادنًا ... بمكة مكحول لا أسيلا مدامعه
1 / 31