فكدت ولم أملك إليها صبابة ... أهيم وفاض الدمع مني على النحر
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة ... تجود علينا بالرضاب من الثغر
فليت إلهي قد قضى ذاك مرة ... فيعلم ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها ... وجدت بها إن كان ذلك من أمري
فلما سمعها عمر أعجب بها ثم قال لجميل دونك هذه وأنشد:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
ومنها:
وغاب قمير كنت أرجو غيوبه ... وروّح رعيان ونوّم سمر
فحييت إذ فاجأتها فتولهت ... وكادت بمكتوم التحية تجهر
وقالت وعضت بالبنان فضحتني ... وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر
أريتك أذهنًا عليك ألم تخف ... رقيبًا وحولي من عدوّك حضر
فوالله ما أدرى التعجيل حاجة ... أتى بك أم قد نام ما كنت تحذر
فقلت لها بل قادني الشوق والهوى ... إليك وما عين من الناس تنظر
فيا لك من ملقى هناك ومجلس ... لنا لم يكدّره علينا مكدّر
يمج ذكاء المسك منها مفلج ... رقيق الحواشي ذو غروب مؤشر
يرق إذا تفترّ عنه كأنه ... حصا برد أو أقحوان منوّر
وترنو بعينيها إليّ كما رنا ... إلى زرنب وسط الخميلة جؤذر
فلما تولى الليل إلا أقبله ... وكادت توالى نجمه تتغوّر
أشارت بأن القوم قد كان منهم ... هبوب ولكن موعد لك عزوز
فما راعني إلا منادٍ برحلة ... وقد لاح مفتوق من الصبح أشقر
فلما رأت من قد تنوّر منهم ... وإيقاظهم قالت أشر كيف تأمر
فقلت أباديهم فأما أفوتهم ... وأما ينال السيف ثأرًا فيثأر
فقالت أتحقيق لما قال كاشح ... علينا وتصديق لما كان يؤثر
إذا كان ما لا بد منه فغيره ... من الأمر أدنى للخفاء وأستر
أقص على أختيّ بدء حديثنا ... وما لي عما يعلما متأخر
لعلهما أن ينعتا لك حيلة ... وأن يرحبا صدرًا بما كنت أحصر
فأقبلتا فارتاعتا ثم قالتا ... أقلى عليك الخطب فالأمر أيسر
يقوم فيمشي بيننا متسترًا ... فلا سرّنا يفشو ولا هو يظهر
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فلما أنخنا ساحة الحيّ قلن لي ... ألم تثق الأعداء والليل مقمر
وقلنا أهذا دأبك الدهر سادرًا ... أما تنتهي أو ترعوي أو تفكر
وقد أنشد عمر هذه القصيدة لعبد الله بن عباس بحضرة نافع بن الأزرق واتفق أهل ذلك العصر على أنه ليس أحد أشعر من جميل وابن أبي ربيعة، وكان جميل يثني على ابن أبي ربيعة كثيرًا وكان الناس يقولون في عينيته أشعر وجميل في لاميته والذي يظهر أن جميلًا أشعر مطلقًا عند التأمل، ومن أشعار جميل أيضًا قوله:
ألا ليت أيام الصفاء جديد ... ودهرًا تولى يا بثين يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتم ... صديق وإذ ما تبدلين زهيد
وما أنس ما الأشياء لا أنس قولها ... وقد قربت نحوي أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى ... أتيتك فاعذرني فدتك جدود
خليليّ ما أخفي من الوجد ظاهر ... ودمعي بما أخفى الفؤاد شهيد
ألا قد أرى الله لا ربّ غيره ... إذا الدار شطت بيننا سنرود
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فما ذكر الخلان إلا ذكرتها ... ولا البخل إلا قلت سوف تجود
فلا أنا مردود بما جئت طالبًا ... ولا حبها فيما يبيد يبيد
1 / 30