وإن الجن قد نهتني عنه، قال معبد فقلت لم تعد ما أريد ثم فارقته حين رأيته يستثقل المجالسة وطلبت أن يكمل لي السرور بأن أضم إلى اجتماعي به اجتماعي بمن رأى جميلًا لا آخذ عنه القصيدة فنعت لي شيخ في بني عذرة فجئته فسألته عن جميل فحدث أنه كان في إبل له وإذا رجل غشاه فنزل به فلما ائتلفا قال له هل لك أن تصع معي من الخير ما لو كانت لك الدنيا ذهبًا وأنفقتها علي لم تبلغ معشاره قلت وما هذا قال تمضي إلى وراء السفح فتنشد لي بكرة صفتها كذا قلت نعم ومضيت فوجدت العرب مجتمعين على جزور ينحر فاستطلعتهم عنها ثم استأذنتهم في البيوت وقلت لهم إن النساء أدرى بالمارة فأذنوا فانصرفت اتصفح الحي إلى أن أحتدم النهار ولم أظفر بطلبة وإذا أنا بثلاث بنات فقلن لا أنصرف إليه وأدع هذا اليسير فجئتهن فسلمت فرددن ثم استنشدتهن البكرة فقالت إحداهن قد أصبت حاجتك ثم أدخلتني بيتًا وأتتني بقدح مفضض فيه تمر وصحفة شامية مفضضة فيها لبن فتناولت كفايتي ثم قالت إن بكرتك تأتي هذه الشجرة فتطوف بها الليل فرجعت إليه وحدثته القصة فابتهج كالذي أصاب بغيته وأنا لا أدري.
فلما جاء الليل وآنس أن قد نمت عمد إلى رحله فاستخرج بردين ملوكيين من برود الخلافة فأتزر بأحدهما واتشح بالآخر ومضى فتبعته بحيث لم يشعر حتى تلاقيا فلم يكن بينهما إلا ما يرضي الوشاة إلى أن رأيا الصبح فلما أزمعا الفراق سبقته ونمت وجاء فصلى ثم نبهني وهو مسرور فأكل معي وشرب ثم أخبرني أنه جميل وأنها بثينة ثم أعطاني بردًا واعتذر وودعني بعد أن قال هل لك أن تمضي فتنشدها أبياتًا قلتها بعد منصرفي عنها قلت نعم فانشدني وما أنس ما الأشياء الأبيات الخمسة فمضيت إليها فقلت قد جئت بالأمس طالبًا واليوم مسلمًا وذكرت تناءه ووجدت ثم قلت هل أنت بارزة إلي قالت نعم فسمعت جارية تقول لها يا بثينة إن عليه برد جميل ثم خرجت في زنية وقالت يا أخا تميم إن بردك لا يشبه ما عليك واستخرجت ملاءة مصبغة بالعصفر وأقسمت أن أتشح بها ففعلت وأنشدتها ما قال ورجعت بملحفة بثينة وبرد جميل وحكي الشيخ لمعبد أن جميلًا لما اجتمع ببثينة قالت له هل قلت شيئًا فأنشدها:
علقت الهوى منها وليدًا ولم يزل ... إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
وأفنيت عمري في انتظاري نوالها ... وأفنت بذاك الدهر وهو جديد
قال معبد فرجعت جذلان بما اجتمع لي مما طلبت، وعن أبي زيد حين قرئت عليه هذه القصيدة أن هذين البيتين يليهما قوله فلا أنا مردود البيت وفي نسخة أن قوله فما أنس ما الأشياء بعد قوله فما أنا مردود ومنه برواية مغلطاي:
وكأن طارقها على علل الكرى ... والنجم وهنًا قد دنا التعوّر
نشوان ريح مدامة معلولة ... بذكيّ مسك أو سحيق العنبر
إني لأحفظ غيبكم ويسرني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري
ويكون يومًا لا أرى لك مرسلًا ... أو نلتقي فيه عليّ كأشهر
يا ليتني أخشى المنية بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر
لو أستطيع تجلدًا عن ذكركم ... فأفيق بعد صبابتي وتفكري
لو تعلمين بما أجن من الهوى ... لعذرت أو لظلمت إن لم تعذري
فلتبكين الباكيات ولم أبح ... يومًا بسرك معلنًا لم أغدر
ومنه:
منع النوم شدة الاشتياق ... وادكار الحبيب يوم الفراق
ليت شعري إذا بثينة بانت ... هل لنا بعد بينها من تلاق
ولقد قلت يوم نادى المنادي ... مستحثًا برحلة وانطلاق
ليت لي اليوم يا بثينة منكم ... مجلسًا للوداع قبل الفراق
حيث ما كنتم وكنت فإني ... غير ناس للعهد والميثاق
1 / 32