قال: والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب أخف الطير، وأحقره، وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء.
قال: وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده؛ لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غالبا العين.
قال: وفي إشارته بيده تأكيد للخفة_أيضا_لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره+(156).
قال ابن حجر: =قال ابن بطال: يؤخذ منه أنه ينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من الله_تعالى_من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن الله_تعالى_قد يعذب على القليل؛ فإنه لا يسأل عما يفعل_سبحانه وتعالى_+(157).
والحاصل أنه لا يجوز للمؤمن أن يستهين بذنب مهما صغر؛ فإن امرأة دخلت النار في هرة.
جاء في صحيح مسلم أن رسول الله"قال: =عذبت امرأة في هرة سجنتها، حتى ماتت، فدخلت النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض+(158).
لا تحقرن من الذنوب أقلها
إن القليل إلى القليل كثير(159)
17_ فعل المعاصي لا يسوغ التهاون بالطاعات اليسيرة: فقد مر قبل قليل أن فعل المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات، ومر في الفقرة الماضية أن فعل المعاصي لا يسوغ الاستهانة بها.
والحديث في هذه الفقرة مكمل للحديث في الفقرتين المذكورتين؛ فكما أنه لا يجوز للإنسان ترك الواجبات، ولا الاستهانة بالمحرمات فكذلك لا يليق به أن يتهاون بالطاعات اليسيرة؛ بحجة أنه واقع في أمور كبيرة؛ فقد يعمل عملا يسيرا في نظره كإماطة الأذى عن الطريق، وكصلة الأرحام، أو العطف على المساكين فيكون ذلك سببا لمغفرة ذنوبه، خصوصا إذا قام بقلبه الإخلاص، وصدق الإقبال؛ فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب؛ فتكون صورتها العملية واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض.
ومما يقرر هذا المعنى، ويشهد له ما جاء في حديث البغي.
صفحة ٦٣