16_ فعل المعاصي لا يسوغ الاستهانة بها: فإذا ابتلي العبد بمعصية من المعاصي لم يسغ له أن يستهين بها، ولو كانت صغيرة في نظره؛ فلا يليق به أن ينظر إلى صغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظم من عصاه؛ فالاستهانة بالذنوب والمعاصي دليل الجهل، وقلة وقار الله في القلب.
أخرج البخاري عن ابن مسعود÷: =إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا، قال أبو شهاب(151)_بيده فوق أنفه_+(152).
قال ابن حجر×في قوله: =إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه+: =قال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور؛ فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه.
والحكمة من التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة.
وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف؛ لقوة ما عنده من الإيمان؛ فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيىء+(153).
وقال ابن حجر في قوله: =وإن الفاجر، يرى ذنوبه كذباب..+: =أي ذنبه سهل عنده، لا يعتقد أنه يحصل له بسببه كبير ضرر، كما أن ضرر الذباب عنده سهل، وكذا دفعه عنه+(154).
وقال في قوله: =فقال به هكذا+: =أي نحاه بيده أو دفعه : هو من إطلاق القول على الفعل، قالوا: وهو أبلغ+(155).
وقال في قوله: =بيده على أنفه+: =هو تفسير منه لقوله+ فقال به+.
قال المحب الطبري: إنما كانت هذه صفة المؤمن؛ لشدة خوفه من الله ومن عقوبته؛ لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة.
وقال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم؛ فوقوع الذنب خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول: هذا سهل.
قال: ويستفاد من الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه، وخفته عليه يدل على فجوره.
صفحة ٦٢