ثم بين×الفرق بين العاجز وبين المعاين فقال: =والفرق بين هذا وبين المعاين ومن ورد القيامة أن التكليف قد انقطع بالمعاينة وورود القيامة، والتوبة إنما تكون في زمن التكليف، وهذا العاجز لم ينقطع عنه التكليف؛ فالأوامر والنواهي لازمة له، والكف متصور منه عن التمني، والوداد، والأسف على فوته، وتبديل ذلك بالندم والحزن على فعله، والله أعلم+(126).
إذا تقرر هذا فإنه يحسن التنبيه على مسألة وهي أن الشيطان ربما وسوس لهذا العاجز التائب، وألقى في قلبه أنه لم يتب إلا لعجزه، وأن توبته كاذبة غير مقبولة.
وربما قال له ذلك رفقة السوء.
فالواجب على التائب في مثل هذه الحالة أن يحسن ظنه بربه، وأن يستعيذ بالله من وساوس شياطين الجن والإنس، وأن يأتي بالتوبة على نحو ما ذكر في الأسطر الماضية.
6_ معنى التوبة من قريب والتوبة عند الموت: قال_تعالى_: [إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما] النساء: 17.
فالتوبة من قريب هي التوبة في الحياة ما لم يغرغر العبد، أي ما دامت روحه في جسده لم تبلغ الحلقوم والتراقي، فهنا تقبل توبته.
قال ابن رجب×: =وأما التوبة من قريب فالجمهور على أن المراد بها التوبة قبل الموت؛ فالعمر كله قريب، ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب، ومن لم يتب فقد بعد كل البعد كما قيل:
فهم جيرة الأحياء أما قرارهم
فدان وأما الملتقى فبعيد
فالحي قريب، والميت بعيد من الدنيا على قربه منها؛ فإن جسمه في الأرض يبلى، وروحه عند الله تنعم أو تعذب، ولقاؤه لا يرجى في الدنيا+(127).
أما إذا عاين العبد أمور الآخرة، وانكشف له الغطاء، وشاهد الملائكة، فصار الغيب عنده شهادة_فإن الإيمان والتوبة لا تنفعه في تلك الحال.
صفحة ٥٦