والجواب: أن له توبة_إن شاء الله تعالى_فالتوبة ممكنة صحيحة إذا أتى بها على وجهها، ولا يؤاخذ بما يرد على قلبه من وساوس تزين له المعصية، وتمنيه بالرجوع إليها.
قال ابن القيم×بعد أن ذكر الأقوال والخلاف في هذه المسألة: =القول الثاني: _وهو الصواب_أن توبته ممكنة، بل واقعة؛ فإن أركان التوبة مجتمعة فيه، والمقدور له منها الندم، وفي المسند مرفوعا: =الندم توبة+(121).
فإذا تحقق ندمه على الذنب، ولومه نفسه عليه فهذه توبة، وكيف يصح أن تسلب التوبة عنه مع شدة ندمه على الذنب، ولومه نفسه؟ ولا سيما ما يتبع ذلك من بكائه، وحزنه، وخوفه، وعزمه الجازم، ونيته أنه لو كان صحيحا والفعل مقدورا له لما فعله.
وإذا كان الشارع قد نزل العاجز عن الطاعة منزلة الفاعل لها إذا صحت نيته كقوله في الحديث الصحيح: =إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما+(122).
وفي الصحيح_أيضا_عنه: =إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم.
قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر+(123).
وله نظائر في الحديث_فتنزيل العاجز عن المعصية التارك لها قهرا_مع نيته تركها اختيارا لو أمكنه_منزلة التارك المختار أولى+(124).
ثم قال×: =يوضحه: أن مفسدة الذنب التي يترتب عليها الوعيد تنشأ من العزم عليه تارة، ومن فعله تارة.
ومنشأ المفسدة معدوم في حق هذا العاجز فعلا وعزما، والعقوبة تابعة للمفسدة.
وأيضا فإن هذا تعذر منه الفعل ما تعذر منه التمني والوداد؛ فإذا كان يتمنى ويود لو واقع الذنب، ومن نيته: أنه لو كان سليما لباشره_فتوبته بالإقلاع عن هذا الوداد، والتمني، والحزن على فوته؛ فإن الإصرار متصور في حقه قطعا، فيتصور في حقه ضده، وهو التوبة، بل هي أولى بالإمكان والتصور من الإصرار، وهذا واضح+(125).
صفحة ٥٥