وإذا كان الأمر كذلك كان لزاما على الأمة أفرادا وجماعات أن تتوب من التقصير في الدعوة إلى الله، وأن يقوم كل فرد بحسبه بما أوجب الله عليه من نصرة دين الله، هذا بلسانه، وهذا بقلمه، وهذا بماله، وهذا بجاهه، ولكل وجهة هو موليها، وقد علم كل أناس مشربهم.
هذه بعض الأخطاء التي تقع في باب التوبة، وسيأتي_ضمنا_في الفصل الآتي مزيد بيان لبعض الأخطاء.
الفصل الثالث
هناك مسائل في التوبة يحسن التنبيه عليها ومن ذلك مايلي:
1_ التوبة الواجبة، والتوبة المستحبة: فالتوبة الواجبة تكون من فعل المحرمات وترك الواجبات، والمستحبة تكون من فعل المكروهات، وترك المستحبات.
فمن اقتصر على التوبة الأولى كان من الأبرار المقتصدين، ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين، ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين: إما الكافرين، وإما الفاسقين(110).
2_ التوبة النصوح: هي الخالصة، الصادقة، الناصحة، الخالية من الشوائب، والعلل.
وهي التي تكون من جميع الذنوب؛ فلا تدع ذنبا إلا تناولته، وهي التي يجمع صاحبها العزم والصدق بكليته عليها؛ بحيث لا يبقى عنده تردد، ولا تلوم، ولا انتظار.
وهي التي تقع؛ لمحض الخوف من الله، وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده؛ فليست لحفظ الجاه، والمنصب، والرياسة، ولا لحفظ الحال، أو القوة، أو المال، ولا لاستدعاء حمد الناس، أو الهرب من ذمهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، ولا لقضاء النهمة من الدنيا، أو للإفلاس والعجز، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها، وخلوصها لله_عز وجل_.
فمن كانت هذه حاله غفرت ذنوبه كلها، وإذا حسنت توبته بدل الله سيئاته حسنات(111).
3_ التوبة الخاصة من بعض الذنوب: فالواجب على العبد أن يتوب من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها.
فإذا تاب من بعضها مع إصراره على بعضها الآخر قبلت توبته مما تاب منه، ما لم يصر على ذنب آخر من نوعه.
صفحة ٤٨