أما إذا تاب من ذنب مع مباشرة ذنب آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه_صحت توبته مما تاب منه.
مثال ذلك أن يتوب من الربا، وهو مصر على السرقة وشرب الخمر، فتقبل توبته من الربا.
أما إذا تاب من نوع من أنواع الربا وهو مصر على نوع آخر منه، أو تاب من نوع منه، وانتقل إلى نوع آخر فلا تقبل توبته كحال من يتوب من ربا الفضل وهو مصر على ربا النسيئة، أو أن ينتقل من ربا الفضل إلى ربا النسيئة، وكحال من يتوب من الزنا بامرأة، وهو مصر على الزنا بأخرى؛ فإن توبته لا تصح؛ فهو لم يتب في الحقيقة من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر.
وقد يتصور أن يتوب الإنسان من الكثير من الذنوب دون القليل؛ لأن لكثرة الذنوب تأثيرا في كثرة العقوبة، وصعوبة التوبة(112).
وبالجملة فكل ذنب له توبة خاصة، وهي فرض منه لا تتعلق بالتوبة من غيره؛ فهذه هي التوبة الخاصة.
وحكمها أنها تصح فيما تاب منه؛ شريطة أن يكون التائب باقيا على أصل الإيمان.
وسر المسألة أن التوبة تتبعض كالمعصية؛ فيكون تائبا من وجه دون وجه كالإسلام والإيمان(113).
وهذا هو قول جمهور أهل السنة والجماعة(114).
ثم إن على العبد إذا وفقه الله لترك ذنب من الذنوب أن يسعى في التخلص من الباقي؛ لأن الإصرار على الذنوب يقود إلى ذنوب أخرى؛ فالحسنة تهتف بأختها، والسيئة كذلك.
4_ التخلص من الحقوق، والتحلل من المظالم: فالتوبة تكون من حق الله وحق العباد؛ فحق الله_تعالى_يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم، غير أن منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك، بل أضاف إليه القضاء والكفارة.
أما حق غير الله فيحتاج إلى التحلل من المظالم فيه، وإلى أداء الحقوق إلى مستحقيها، وإلا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب، قال النبي": =من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم؛ قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات+(115).
صفحة ٤٩