العكبري (¬8) في كتاب (التلقين)، وهو مختصر لطيف (¬9)، لكن المشهور تعدد علل البناء (¬10). قال صاحب البسيط: وهو قول أبي سعيد السيرافي (¬11) وأكثر النحاة (¬12)، إذا عرفت ذلك فقد اعترض على تعليلهم بناء الأسماء بشبه الحرف، فقيل: هذه العلة تقتضي وضع الحرف قبل وضع الاسم المبني؛ لأنه لو لم يقدم وضعه لما تحققت علة البناء في المبنى لعدم تصوره أولا قبل تصور الاسم الذي بنى لأجله؛ لأنه من أول وضعه [6ب] مبني، فلابد من نظر الواضع إليهما حتى يضعه على البناء.
وأجاب صاحب البسيط بأن تقدم وضع الحرف على الاسم المبني لأجله لا يلزم لجواز أن الواضع تصوره في الذهن ووضعه في الخارج على غير (¬1) ما تصوره في الذهن. وكلام ابن مالك في تعليل بناء أسماء (¬2) الإشارة يقتضيه أيضا، حيث قال (¬3): "إن تضمن معنى الحرف لا يشترط أن يكون ذلك المعنى وضع له حرف" [4 أ].
وأما المقام الثالث، وهو تقسيم الشبه إلى ثلاثة أقسام:
فأحدها: الشبه الوضعي، وضابطه: أن يجىء الاسم على أحرف هي أقل من أقل أوزان الاسم. وأقل أوزان الأسماء ثلاثة أحرف؛ فإذا وجد اسم على أقل من ذلك خرج إلى شبه الحرف لفظا؛ فأعطى حكمه، وهو البناء؛ ولهذا بنيت أكثر المضمرات، كالتاء، و(نا)، وحمل عليهما الباقي ك (نحن)، و(أنتم) حتى يجري الباب على سنن واحد، كذا نقل عن ابن الحاجب (¬4).
والحق أن الوضع (¬5) علة للضمائر المتصلة؛ لأنها الأصل، ولا يعدل عنها إلى المنفصل إلا عند تعذرها (¬6)، وليس في المتصل أكثر من حرفين. وأما المنفصلة (¬7) فعلة بنائها حملها على المتصلة بجامع احتياجهما إلى ما يعودان إليه، ويكون مفسرا لها؛ فهذا أولى من الإلحاق بلا مناسبة [7ب].
ومنهم (¬8) من علل بناء المضمرات باستغنائها عن الإعراب باختلاف صيغها؛ لاختلاف المعاني، واختصاص الرفع بضمائر والنصب بأخرى، وإن وقع اشتراك بين المنصوب والمجرور في بعض الصور فالعامل فارق، قال بدر الدين (¬9):
"ولعل هذا هو المعتبر عند الشيخ في بناء المضمرات؛ ولذلك لما قال:
* وكل مضمر له البنا يجب * (¬10)
عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب، كأنه قصد بذلك إظهار علة البناء" (¬11) قلت: لكنه صرح في هذه الأبيات بأن العلة عنده فيها الوضع، والحاصل: أن العلة إما احتياجية أو استغنائية.
صفحة ٣٣