قلت: في استلزام المجاز الحقيقة، خلاف مشهور في الأصول (¬1)، ولما كانت هذه الحركات مشتركة بين الإعراب والبناء مختلفة الصفة، فرق النحويون بين أسمائها لإزالة الاشتراك؛ فسموا حركات البناء ضما وفتحا وكسرا وسكونه وقفا؛ لأنهن لا يدللن على معان، بل حاصلها الهيئات اللفظية، وسموا حركات الإعراب رفعا ونصبا وجرا وسكونه جزما؛ لأنها أصول في معمولاتها. وزعم بعضهم (¬2) أن تسمية حركات البناء الضمة والفتحة والكسرة، تسمية لغوية، وتسمية حركات الإعراب الرفع والنصب والجر، تسمية صناعية؛ فالأولى أصل، والثانية فرع. وإنما خالفوا (¬3) للفرق بينهما.
وقال فخر الدين: ذهب قطرب (¬4) إلى أن الحركات البنائية مثل الإعرابية، وخالفه سائر النحاة (¬5).
قال: وهذا النزاع لفظي؛ لأنه إن كان المراد من المثلية: المثلية في الماهية؛ فالحس يشهد بأن الأمر كذلك [51ب]، وإن كان المراد المثلية في الأحكام الوضعية فالضرورة تشهد أن الأمر ليس كذلك، وسمى سيبويه (¬6) هذه الحركات مجارى، قال المازني، وغلط سيبويه في تسمية الحركات البنائية بالمجاري؛ لأن الاسم المجرى إنما يكون لما يوجد تارة ويعدم أخرى. والمبني لا يزول عن حاله؛ فلا ينبغي تسميته بالمجاري (¬7). وأجيب (¬8) بأن المبنيات تحرك عند الدرج، ولا تحرك عند الوقف؛ فلم تكن الحركة لازمة لها مطلقا، فزال (¬9) الإشكال [29أ].
السابع: في ذكر ضابط رأيته منسوبا لصدر الأفاضل (¬10)، لا بأس بالختم به وإن وقع في بعض أمثلته نزاع:
صفحة ٦٦