أحدهما: من نفس المعرب، ك (قام زيد) الحركة هي معنى الإعراب.
والثاني: من نفس عامله، نحو: (هذا يحيى، ورأيت يحيى، ومررت بيحيى)، فاختلاف العامل قبله دل على موضعه من العمل، وإن عرى لفظه من عمل فبمحله. وهكذا كل مالا يبين فيه الإعراب.
السادس: أصل البناء أن يكون على السكون، ولا يعدل عنه إلا لأحد (¬1) أمور، منها: أن يكون قبل الأخير ساكن؛ فلا يبنى الآخر على السكون مخافة أن يجتمع ساكنان على غير ما أصلوه، ومنها: أن تكون الكلمة لها حال تمكن قبل البناء، ثم يبنى لعلة فيجب أن يجعل لها مزية على ما هو مبني في الأصل (¬2). ومنها: أن تكون الكلمة على حرف واحد، كواو العطف، وباء الجر؛ فلا يمكن أن يبتدأ بحرف ويوقف عليه، وهو على حرف واحد. وأقل ما يكون [49ب] هذا في الحرفين (¬3).
وأما الحركات ففرعية على السكون، وهي ثلاثة: الضمة ومنشؤها من الشفتين، سميت بذلك لانضمام الشفتين، والكسرة ومنشؤها وسط اللسان، سميت بذلك لالتواء اللسان لها، بحيث لو كان صلبا لانكسر، والفتحة ومنشؤها أقصى الحلق، وسميت بذلك لانفتاح الحلق والفم بها. والسكون خلو الحركة من هذه الثلاث (¬4). وقد وقعت هذه الحركات والسكون مشتركة بين الإعراب والبناء؛ لأنهم لم يقدروا على أن يجتلبوا (¬5) للبناء حركات وسكونا تضاد حركات الإعراب وسكونه؛ فالإعراب ضد البناء من جهة المعنى ومماثل له من جهة اللفظ. والفرق بينهما: أن حركة الإعراب وسكونه يزولان بزوال العامل؛ بخلاف حركة البناء وسكونه، فإنها لازمة (¬6)؛ لأنهما لم يحدثا بعامل.
وقد اختلف في الحركات بالنسبة إلى الإعراب والبناء من جهة الأصالة على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن الحركات أصل في الإعراب ومستعارة في البناء؛ لأنها ألفاظ، وحق اللفظ [28أ] أن يدل على معنى وهو متحقق في الإعراب (¬7).
والثاني: أنها أصل في البناء مستعارة في الإعراب؛ لأن حركات البناء لازمة، فهي كالأسد [50ب] للحيوان المعروف، ولعموم وجودها في أول الكلمة (¬8) وحشوها وآخرها، بخلاف حركات الإعراب، فإنها لا تكون إلا في الآخر (¬9)
والثالث: أن الحركات أصل في كل واحد منهما؛ لما ذكرنا من التعليلين (¬10)، قال ابن الخباز (¬11): ولم يذهب أحد إلى أنها مستعارة فيهما؛ لأن الاستعارة من غير تقدم حقيقة محال (¬12).
صفحة ٦٥